واعلم أن التحفظ وإن كان من كل الأعداء واجبا لما ان اتفاق الحكماء على أنه لا ينبغي للعاقل ان يستصغر عدوا وان صغر فإنه من فعل ذلك اغتر ومن اغتر لم يسلم لكن التحفظ من دقيق النظر في الحيلة والخداع أهم والعناية بشأنه أتم فإنه إن كان بعيدا لم تؤمن عودته وان كن قريبا لم تؤمن وثبته، وان انكشف منك جانب لم تأمن كرته وان كانت متحزما لم تأمن مكره وحيلته ومثل هذا العدو وان عد ذكيا الا انه قد غير فضيلة الذكاء إلى جانب الافراط منها وهو الخبث وقد علمت أنه رذيلة نفسانية وصاحب هذه الرذيلة يسمى داهيا ومتجربزا، وهذه الكلمة من التنبيهات المصلحية على مراعاة تمييز أكبر الأعداء والتيقظ لأخفاهم حيلة والاحتراز من عداوته والحيلة في كيفية دفعه ودفاعه وعليك في هذا المعنى بمطالعة الباب الرابع (1) من كتاب كليلة ودمنة فتستفيد بتأمله فوائد جليلة، والله تعالى هو المنقذ من أعدائه وكفى به معينا ينصر من يشاء وهو القوى العزيز.
الكلمة العاشرة قوله عليه السلام: من طلب مالا يعنيه فاته ما يعنيه.
أقول: المقصود من هذه الكلمة الحث على الاشتغال بطلب الأمور التي بها يكون صلاح المرء في نفسه باصلاح طرفي معاشه ومعاده اما في طرف المعاش فتحصيل الأمور التي لابد منها في قوام البدن وبقاء النوع وما يلزمهما (2) وترك الفضول الزائدة التي لا يعود إليها ضرورة واما في طرف المعاد فالسعي في تحصيل الكمالات العلمية (3) والفضائل الخلقية التي هي وسيلة إلى نيل السعادة الأبدية والفوز بالنعيم السرمدي وإذا عرفت ذلك فنقول: الأمور التي ذكرنا انه بجب على الانسان طلبها هي الأمور التي تعنيه اي