مخلدة في الشقاوة السرمدية، وما بينهما درجات، وكذلك الحال في باقي الأمور المكتسبة للانسان والطبيعية له. ثم إن ذلك التفاوت دل على أن الموصوف بأحد هذه الصفات كيف هو مستلزم لتفاوت درجات الاستدلال على أحواله في ذاته وكمالها ونقصانها بحسب تفاوتها في ذلك فلا جرم صدق عليه السلام ان " قيمة كل امرء ما يحسنه ".
واعلم أن في هذا الكلام مع اشتماله على الوجازة والصدق والبلاغة حثا على اكتساب أشرف أنواع الثمن المذكور من الكمالات النظرية والعملية واقتناء المكارم، وذلك أن العاقل إذا سمع هذا اللفظ واطلع على سره مع ما في نفسه من محبة أن يكون أشرف أبناء نوعه فلابد وان يجتهد ويبالغ في طلب أقصى المراتب الشريفة فيكون ساعيا في تحصيل القيمة الأوفى حتى إذا حصلت دلت على شرف ذاته وكمالها في نفسها كما تدل القيمة على شرف ما هي قيمة له.
واعلم أنه يحتمل ههنا ان تفسر القيمة باعتبار الخلق بعضهم لبعض ويكون التقدير ان اعتبار الناظرين ووزنهم للانسان في نفسه بميزان العقل لا بالنظر إلى ذاته من حيث هي ذاته بل بالنظر إلى ما يحسنه، فيكون اعتبارهم لذاته تابعا لاعتبارهم الهيئات التي اكتسبها والأعمال التي ارتكبها، ويكون رجحان ذاتها وشفافيتها وكمالها في انظارهم ونقصانها وشرفها وخستها الذي هو قيمته في الحقيقة تابعا لشرف أحواله وافعاله وما يحسنه من الصناعات الموجبة للتكميل والتنقيص، والاعتبار الأول أظهر، وبالله التوفيق.
الكلمة السابعة قوله عليه السلام: الناس أبناء ما يحسنون.
أقول، معنى هذه الكلمة قريب من معنى التي قبلها وذلك لان (1) الابن كما يطلق حقيقة على حيوان يتولد عن آخر من نوعه نطفته من حيث هو كذلك وينسب إليه فيما يصدر عنه من الافعال ويشاهد منه من الأخلاق والأقوال وكثيرا ما تختلف تلك