باللسان النبوي وذلك الانحراف بسبب طاعة قوتي الشهوة والغضب والانهماك فيما تميلان إليه بمقتضى طباعهما (1) وتجران القوة العاقلة إليه من مطلوباتهما وذلك مما يصرف عن التوجه إلى القبلة الحقيقية ويمنع من التعلق بعصم النجاة فلا جرم كان التعجب من كيفية هلاك الهالكين تعجبا في غير موضعه لان أسباب الهلاك غالبة في الخلق أكثرية - الوجود، وأكثرية وجود المعلول تابع لأكثرية وجود أسبابه.
ولما عرفت ان درجات السعادة غير متناهية فاعلم أن درجات الهلاك والشقاوة (أيضا) غير متناهية ولسنا نعنى باهلاك الهلاك السرمدي فأن ذلك مختص بالانحراف على وجه مخصوص أعني ان يوجب ذلك الانحراف والميل ملكات ردية تلزم جوهر النفس فيدوم به العذاب بل نعنى به ما هو أعم من ذلك حتى يكون الهلاك المنقطع داخلا فيه ويكون أكثر وجودا من النجاة، وما كان أكثريا ومعتادا لا ينبغي ان يتعجب منه، وكان التعجب من كيفية نجاة الناجين تعجبا في موضعه لا يستنكر (2) لقلة أسباب النجاة وضعف وجودها من الخلق.
وفى هذه الكلمة ايماء إلى وجوب الاحتفاظ (3) والاخذ بالحزم في تحصيل أسباب النجاة والاجتهاد فيها فإنها لا تدرك بالمنى ولا تحصل بالهوينا، واليك الاعتبار، والله تعالى ولى اعدادك لما هو أهله، وهو الموفق.
الكلمة الثلاثون قوله عليه السلام: الاحسان يقطع اللسان.
أقول: لفظ القطع يقال حقيقة على تفريق اتصال الجسم بالآلة القطاعة كالسكين وغيرها، وقد استعمله عليه السلام ههنا مجازا في منع الكلام القبيح الخارج