اعترفتم بأن المشروط لا يجب أن يكون هو كل النعم مع أنكم أوجبتم الحذر عند كل نعمه؟ - فنقول: لما كان العبد غير مستقل وغير مطلع على أسباب الكائنات وشروطها وكانت غير محصورة ولا متناهية في حق الجليل (1) من الخلق فضلا عن جملتهم حتى يمكن ان يوقف (2) عليها وعلى أسبابها المفصلة لاجرم وجب ان يحذر الحذر المطلق لئلا يتوقى فيما ليس من شرطة التوقي والحذر ويتركهما في موضع هو في الحقيقة مشروط بذلك، فإنه إذا حذر في كل نعمة مفارقتها فزع (3) إلى حفظها بالمواظبة على أسباب الحفظ التي أشرنا إليها جملة فتلك المواظبة وان لم تكن شرطا لاستثبات تلك النعمة فهي معدة لضروب أخرى من النعم، وان كانت شرطا فقد صادف محله، والله ولى التوفيق.
الكلمة الثانية والثلاثون قوله عليه السلام:
إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.
أقول: أطراف النعم أو أوائلها، وأقصاها أو اخرها، والمقصود من هذه الكلمة التنبيه على استدامة النعم الموهوبة بدوام الشكر وبيانه أنك عرفت أن دوام الشكر عن نية صادقة وتحريك اللسان بالذكر عن اعتقادات صافية يستمريان (4) مزيد النعم كما يستمري الحالب الدر من الضرع لما ان دوام الشكر وما في معناه من الابتهالات والتضرعات والتعود بها أسباب معدة للنفس لدوام إفاضات (5) أنواع الخيرات، وإذا كان وجوده سببا لوجود النعم وبقائها واتصال أواخرها بأوائلها كان عدمه أو قلته سببا عرضيا يكون معه نفارها قلة ثباتها وانقطاع تواترها واتساقها،