الكلمة التاسعة والعشرون قوله عليه السلام: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه أقول: المقصود من هذه الكلمة الحث على الفضيلة التي تمسى عفوا وتسمى في عرف العلماء مسامحة وهي بالحقيقة ترك بعض ما يجب بالإرادة والاختيار ولا شك ان هذه الفضيلة مستلزمة لكثير من الأخلاق الفاضلة كالسخاء والنبل والسماحة وكذلك هي مستلزمة لفضائل أخرى من باب الشجاعة كالملكة المسماة بالحلم فان نفس صاحب العفو تكون مطمئنة خالية عن الشغوبة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة وكاحتمال الكد فان استعمال النفس للعفو مرة ومرة يدل على أن لها قوة تستعمل بها الات البدن في الأمور الحسنة (1) بالتمرين وحسن العادة إلى غير ذلك من الفضائل، وإنما علقه عليه السلام بالقدرة لان ظهور فضيلة العفو للنفس إنما يتحقق بعد تحقق القدرة بحسب اعتقاد العافي انه متى شاء العقوبة كان متمكنا منها سواء كان ذلك التمكن حاصلا في نفس الامر أوليس، واما قبل ذلك الاعتقاد فلا يتحقق العفو إذ لم يكن في هذه تاركا لبعض ما هو واجب له لعدم تحقق وجوب الانتقام، واما الامر له بجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه فلان القدرة التي وهبها الله تعالى له نعمة عظيمة والشكر على النعمة واجب وان كانت هذه القضية ليست بأولية بل من المشهورات المحمودة والتأديبات الصلاحية التي توافقت عليها الشرائع وتطابقت عليها آراء الخلق في اصلاح معاشهم ومعادهم ومع ذلك فان للشكر وخاصة للمنعم المطلق اثر عظيما إذ هو من الأسباب القوية في اعداد القوة العقلية بالمداومة عليه لقبول اثار الرحمة وتأهلها لاستنزال (2) المطلوبات بالابتهالات وصالح الأدعية وإذا كان كذلك
(١٣٣)