الاحسان إنما تنفعل في ابتداء تعودهم للاسداء مثل الشكر والثناء وتذلل الخلق لهم وخضوعهم وخدمتهم لاجرم نبه عليه السلام على حسنه بان ذكر سببيته لاستعباد الأحرار فإذا انفعل البار عن ذلك تبين له عن قريب ما في البر من أنواع الخيرات التي يجب ان تقتنى وما حمل (1) معروفه من الذ ثمرة تستطاب وتجتني، والله ولى التوفيق.
الكلمة الثالثة قوله عليه السلام: الجزع عند البلاء تمام المحنة أقول: قد عرفت ان الجزع ألم نفساني يعرض من تصور فقد المحبوب أو فوت - المطلوب والبلاء ههنا الاختيار بالامر المكروه إلى الطبع وإن كان البلاء قد يكون بالخير أيضا كما يقال أبلاه بلاء حسنا وكذلك المحنة الامتحان وهو الاختبار بالمكروه أيضا، والمقصود من هذ الكلمة بيان ان من قدر له الاختبار بمكروه وقع عليه من القضاء الإلهي فتألمت نفسه بسببه كان ذلك التالم ابتلاء ثانيا أعد نفسه لحصوله زيادة على البلاء الأول الذي يجب دفعه عن نفسه ويريد ان لا يكون مقضيا عليه ولا مقدرا له وتماما لمحنته، وهذه الكلمة مستلزمة للنهي عن الجزع إذ بين عليه السلام للجازع ان الذي يهرب منه من البلاء قد جلب إلى نفسه مثله بجزعه.
ثم اعلم أن سبب الجزع هو الحرص على اقتناء اللذات الجسمانية والنزوع إلى بقاء الشهوات البدنية والحسرة على ما يفقد ويفوت منها وإنما يجزع على المحبو ب من ذلك من يظن أن ما يحصل له منها يجوز بقاؤه وثباته وان جميع ما يطلبه من مفقوداتها لابد وإن كان يحصل في يده ويصير في ملكه وكل ذلك غفلة منه وغرور فإنه لو لاحظ الحق بعين بصيرته والتفت إلى خالص سريرته واستعمل الانصاف مع نفسه لعلم (2) ان جميع ما في عالم الكون والفساد غير ثابت ولا باق وان الثابت الباقي هو ما في العالم العلوي فلم يطمع في المحال