مراتب الكمال كان ضبطها للقوة المتخيلة أشد فكان الكلام الصادر عنها أقل وجودا إذ لا يصدر عنها حينئذ كلمة الا عن ترو وتثبت ومراجعة لعقلها في كيفية وضع تلك الكلمة واستلاحة ما تؤول إليه وما يلزم عنها من المفهومات وتمييز احتمالاتها وحركة الفكر (1) في استحضار السبب الموجب للكلام حتى تصير الكلمة الخارجة مهذبة مميزة محكمة متقنة لا يكون منها حذر ولا يلحق بسببها ضرر، وإذا كانت كلمة تامة العقل موقوفة الوجود على هذه الشروط الكثيرة والأسباب البعيدة فلابد وأن تكون أقلية الوجود وتزداد أقلية وجودها بحسب زيادة درجات العقل إلى أن يصير السكوت في موضعه والكلام في موضعه ملكة وخلقا للعاقل، وهذا بخلاف ناقص مراتب العقل فإنه كلما كان عقله انقص كان خروج الكلام منه أكثر وأقبح، وذلك لقلة ضبط القوة العاقلة للمتخيلة وعدم مراجعة العقل العملي للقوة النظرية في استنباط الآراء الصالحة والأقوال المصلحية وذلك لنقصان درك القوة النظرية وبالجملة لأقلية الشروط الموجبة لقله الكلام، والعلة كلما كانت ابسط كان صدور المعلول عنها أقرب وأسرع، وبالله التوفيق الكلمة الثانية عشر قوله عليه السلام: لا داء أعيا من الجهل.
أقول الداء المرض والاعيا (2) الذي لا دواء له كأن الأطباء عيوا عن دوائه، والجهل قد يراد به عدم العلم عما من شأنه ان يعلم كالانسان، وقد يراد به الاعتقاد الجازم الغير المطابق الحاصل من شبهة (3) الدليل، والمعنى الأول عدمي ويقابل العلم تقابل العدم