البحث الخامس في احكام العارفين واخلاقهم اما الاحكام فالأول - ان كل درجة قبل درجة الوصول فهي ناقصة بالقياس إليها وبيان ذلك اما درجة الزهد فلانه اشتغال بغير الحق لان تحلية الذات عن المنجسات والعلائق البدنية مشروط بالشعور بها والقصد إلى اعدامها (1) وذلك التفات إلى غير الحق وشغل به.
واما العبادة فلان العابد إذا اتكل على تطويع النفس الامارة للمطمئنة فذلك عجز منه إذ لولا الخوف من الغير لم يحصل الاعتداد بطاعة والفرح بها، واما العرفان مع ابتهاج النفس بزينة الحق والسعادة بالوصول إليه فهو تيه، لان الابتهاج بالنفس لقربها من الحق والفرح بكونها واصلة إليه ابتهاج بغير الله وعشق بالذات لا حوال النفس، واما الاشتغال بالحق ورفض كل ما عداه وهو آخر مقامات السلوك إليه فهو الخلاص المطلق والاخلاص المحقق.
الثاني - اتفقت كلمة أهل العرفان على أن مقامات السالكين إلى الحق لا تخلو من التفريق والجمع فيما سوى الحق تعالى ثم من الجمع فيه، اما التفريق فهو تخلية الذات عما سوى الحق تعالى فلها مراتب أربع، فالأولى لابد ان يكلف السالكون إلى الحق بالاعراض عما سواه من اللذات البدنية والشهوات الدنياوية ولن يزالوا في كلفة إلى أن تستبعد نفوسهم أرذال الميول الحيوانية إليها وهي المرتبة الثانية، ثم يستعدون بالسعي إلى أن يمحقوا (2) ما سوى الحق من قلوبهم ويشموا رائحة النفحات الإلهية ويتركوا الالتفات بالكلية إلى اللذات الفانية وهي المرتبة الثالثة، ثم لا يزالون يستعدون بالانس بالقديم (3) الاعلى والكأس الأوفى إلى أن يصير ما سوى الحق مستحقرا عندهم بالنسبة إلى تلك اللذات الكاملة وهي المرتبة الرابعة، فهذه درجات التخلية وهي في لسان الحكماء