فكره في استفادة الجواهر العقلية وارباح النفائس النفسية (1) فان ذلك هو التجارة الرابحة ويهرب من متابعة شيطانه في تحسين البضائع المذكورة له فان من كان تلك بضاعته لم يصبح ليله الا وهو في أسر الشيطان وصفقة الخسران، ولم تزل عين بصيرته عن ادراك الحقائق خاسرة، ويد عقله عن تناول فواكه الجنة قاصرة، يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا (2)، والله ولى العصمة.
الكلمة الثامنة والثلاثون قوله عليه السلام: لا شرف أعلى من الاسلام.
أقول: الشرف العلو، والاسلام في اللغة الانقياد، وفى الشريعة الانقياد بحسب الأوامر والنواهي الشرعية وتلقيها بالقبول والطاعة والعمل بمقتضاها بحسب الجهد والطاقة، وقد عرفت ان الغاية القصوى منه إنما هو الوصول إلى الواحد الحق والحصول في المقعد الصدق، وان ذلك الوصول والحصول موقوف على جلاء مرائي الناقصين من درن (3) الباطل حتى تصفو وجوه ألواحهم وتستعد لقبول الانتقاش بالجلايا وعرفت ان ذلك الجلاء والصفاء لن يحصل الا بزوال المانع منه وذلك المانع اما خارجي واما داخلي، اما الخارجي فهو تنحية ما سوى الحق الأول عن سواء السبيل، وحذفه عن درجة الاعتبار، وتنزيه السر عن الاشتغال به عن الحق، وذلك هو الزهد الحقيقي، واما الداخلي فهو تطويع النفس الامارة بالسوء للنفس المطمئنة لتزول دواعي الشيطان إلى خيبة (4) الخسران ويخلص سر الانسان لقبول الرضوان وقد عرفت كيفية ذلك التطويع وأسبابه وغايته، والجامع الاجمالي لإزالة الموانع قوله تعالى: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس