الكلمة الثامنة والعشرون قوله عليه السلام: أوحش الوحشة العجب.
أقول: الوحشة نفرة طبيعية تعرض للحيوان عن تصور الموذى، وتقابل الانس تقابل الضدين، واما العجب فهو ظن كاذب بالنفس في استحقاق مرتبة هي غير مستحقة لها، ولما كانت الوحشة مقولة بالتشكيك على ما تحتها، إذ (1) كان من الوحشة ما هو أشد ومنها ما هو أضعف ظهر حينئذ أن تقدير القضية: " أشد درجات الوحشة وأبعدها عن الانس العجب " واعلم أن العجب نفسه (2) ليس بوحشة فيعود التقدير إلى " ان أوحش الوحشة مسبب عن العجب ولازم له " فأطلق لفظ العجب عليه مجازا كما سبق بيان مثله، إذا عرفت فنقول: اما برهان سببية العجب للوحشة فلان المعجب بنفسه إذا اعتقد ماله على غيره من الفضيلة فهو وان أكذب نفسه فيها في بعض الأحوال الا انه كثيرا ما يبعثه (3) الالتذاذ بتصور تلك المرتبة ولوازمها وتخيل زينة نفسه بها وتميزها عن أغيارها (4) بسببها على اكذابها (5) فيعبر (6) إلى حد التيه فيتيه ويتجبر على غيره ويستنقص أبناء نوعه لتصور التفرد بالمرتبة التي لنفسه فكان ذلك سببا لتنفر (7) طباع الخلق عنه ووحشته منه من وجهين:
أحدهما - انا بينا ان التواضع ولين الجانب واظهار النقص من الكمال لنفسه تقريرا للتواضع وبسطا من طباع الاخوان مميل لطباعهم إليه وموجب للألفة الموجبة للانس والمحبة فكان التيه والعجب وما يصحبهما من اضداد ما ذكرنا موجبين للنفرة الطبيعية المستلزمة للتباين المستلزم للوحشة والانقطاع وعدم المحبة.