الكلمة السابعة والثلاثون قوله عليه السلام: لا تتكل على المنى فإنها بضائع النوكى.
أقول: المنى جمع منية وهو الشئ المتمني كقوله: ان سعدى لمنية المتمني، والبضائع جمع بضاعة وهي البعض من المال تبعثه (1) للتجارة، والنوكي جمع أنوك وهو الأحمق، والمقصود من هذه الكلمة النهى عن اشتغال النفس بتمني الأماني فان ذلك الاشتغال قد يعرض ولا يزال يتزايد حتى يكسب النفس ملكة الوسواس والالتفات عن الانتقاش بنور الحق وسواد لوح الخيال عن قبول المنامات الصافية والالهامات الخالصة. ثم إنه عليه السلام نبه على قبح ذلك بان ذلك بضائع الحمقى لتنفر نفوس العقلاء عن اقتناء هذه البضاعة واتخاذها في تجاراتهم إذ كان العاقل لا يرضى لنفسه تصرفات الأحمق وحركاته.
واما اطلاقه عليه السلام البضاعة على المنى فاستعارة حسنة فان ناقصي العقول الذين ليس لهم ملكة الانتقال إلى المعقولات الثانية الناقصين في استعدادهم لاصلاح معاشهم ومعادهم في أكثر الأحوال طالبون (2) لمتخيلاتهم الغائبة أو الغير الممكنة الحصول متمنون لها عن تخيلاتهم القاصرة عن ضبط القوة الصادرة عنها قواهم العقلية اما لضعفها وقوة سلطان الوهم عليها أو لاختلال تلك القوى وقلة صلوحها لتدبير العقل وتصريفه فكأنها حينئذ بضائع لهم ينتظرونها فكما يتوقع التاجر وصول البضاعة التي بعث به للتجارة ومكاسبها كذلك تجد هؤلاء متوقعين متمنين لما يتخيلونه من ضروب اللذات وأنواع المشتهيات ويقطعون بذلك أزمانا حتى ربما صدتهم تلك الأماني عن اشغال مهمة لهم فضلا عما يعنيهم من أمر الدين وما يجب عليهم من الأمور المقربة إلى الله تعالى فينبغي للعاقل إذا عرف سر هذه البضاعة وما تؤدى إليه من الخسران ان يعرض عنها إلى استنصاع (3)