اعتقاد الانفراد بالمرتبة التي لا توجد للغير وذلك الاحتقار والاستصغار مستلزم لتنفير طباع الخلق عمن صدر عنه، اما العقلاء فلاستحقارهم إياه وأنه لا مقدار لما يتكبر به عندهم ولا اعتداد به لخساسة (1) أدبه وسوء خلقه ونزارة حظه من السعادة الباقية واطلاعهم على عدم اطلاعه على عيب نفسه فهو وإن كان مستحقرا لهم غير ناظر إليهم كبرا فهو في عيونهم أحقر ومن طباعهم أبعد، ومع ذلك كيف يتصور ثناؤهم عليه ومدحهم له، واما الباقون من العوام وغيرهم فإنما تميل طباعهم إلى من يتواضع لهم ويقربهم إلى نفسه بلين الكلمة والاحترام والشفقة وبذل النفع بالمال والجاه وغيره (2) سيما وكثير منهم يعتقد لعجزه عن الاطلاع على نقصانه انه كامل في ذاته فلا يسلم ان لاحد عليه فضلا البتة، ومعلوم ان المتكبر عليهم المستحقر لشأنهم المستصغر لهم لا يبذل لهم من نفسه ما ذكرنا (3) وإذا (4) كان كذلك لم يتحقق منهم الميل إليه، فلم يتصور منهم الثناء عليه لعدم الموجب له ولم يصدر منهم مدح له لفقد علة المدح فقد صدق عليه السلام في بيان هذا السلب الكلى، الله ولى التوفيق.
الكلمة الثامنة قوله عليه السلام: لا بر مع شح أقول: البر ههنا الاحسان وإن كان قد يراد به أيضا الصدق على سبيل الاشتراك اللفظي، والشح البخل مع زيادة حرص، وحده انه منع ما ينبغي بذله عن المستحق مع شدة طلب الجمع، وإذا كان كذلك فاعلم أن المراد من " لابر " ان الاحسان مع الشح