قد حذف كل ما سوى الحق تعالى عن درجة الاعتبار ولم يلحظ معه غيره وذلك هو الوصول التام.
الثالث - لما سأله ذعلب اليماني: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ - فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أرى؟! قال: وكيف تراه؟ - قال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، وقد عرفت ان القلوب في عرفهم عبارة عن النفوس الانسانية، وادراكها نيلها ووصولها إلى ساحة عزته، وذلك يدل على أنه عليه السلام كان من الواصلين.
الرابع - انه عليه السلام وصف موضعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وكيفية تربيته وارشاده وتعليمه له في آخر خطبته المسماة بالقاصعة، قال عليه السلام مخاطبا للقوم:
وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وانا وليد ويضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يحاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنه الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ - فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، الا انك لست بنبي وانك لوزير (1) وانك لعلى خير.
والاستدلال بهذا الكلام من وجوه:
الأول - انه لا نزاع في أنه عليه السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء