ويوجب على نفس المنذورات في خلاص ما يرجوه ووصوله إليه ولا معنى للعبودية الا ذلك فان الخضوع والتذلل ههنا أتم ما يكون أن يكون، واما بيان ان الآئس حر، فظاهر، إذ منقطع الرجاء من الشئ متخلص العنق من وثاق التذلل والخضوع للمرجو منه، وإن كان اطلاق لفظ الحر والعبد على الراجي والآئس مجازيا بالنسبة إلى من وضعا له.
وههنا نظر اخر - وذلك أن الحر يقال على ذي الفضيلة النفسانية التي بها يكسب المال من وجهه، ويعطى ما يجب في وجهه، ويمنع من اكتساب المال من غير وجهه، ويقابله العبد لمن له ضد تلك الفضيلة من الرذائل (1) ومعلوم ان الأول إنما كان قادرا على التصرف المذكور بحسب قهر النفس الامارة بالسوء وتطويعها للنفس المطمئنة وانقيادها في أسرها، وان الثاني إنما لم يقدر على ذلك لغلبة النفس الامارة على النفس المطمئنة وجذبها لها إلى المشتهيات الدنية واللذات البدنية فإذا كان كذلك لاح لك حينئذ ان الراجي لأمر فان لما كانت قوته الشهوية قائدة لعقله إلى الطمع فيما لا ينبغي ان يطمع في وتوقع ما لا ينبغي ان يتوقع ولا يجوزان يشغل النفس بطلبه لاجرم كان عبدا لتحقق معنى العبودية فيه وهي الرذيلة الصادرة عن متابعة الشهوة، وان الآئس لما كان منقطع الرجاء وزائل الطمع في هذه الأشياء دل ذلك على قهر قوته العاقلة لهواه ومتى كان كذلك كانت نفسه متحصلة لتلك الفضيلة المسماة بالحرية فلا جرم كان حرا، والاعتبار الأول أظهر وأشهر والثاني أدق عند النظر، والله ولى التوفيق.
الكلمة التاسعة عشر قوله عليه السلام: من لانت أسافله صلبت أعاليه.
أقول: المراد بالأسافل السبة (2) والأليتان، واللين الخنث وهو الاسترخاء