فينبغي من العاقل إذا قدر على عدوه ان يعلم أن الشكر كما يكون معد للنفس لقبول الخيرات المذكورة كذلك العفو فإنه مستلزم للفضائل التي ذكرناها وبها تحصل على الخيرات الدائمة فلذلك أطلق عليه السلام لفظ الشكر عليه لمكان المناسبة فكما ان تلك الخيرات يجب ان يجتهد في تحصيلها بالشكر الذي بينا كيفية حصولها عنه كذلك يجب ان يجتهد في تحصيل الفضائل التي يستلزمها العفو بالمداومة عليه مرة ومرة حتى تظهر تلك الفضائل التي تلزمها عن النفس، فان أقام العافي عفوه مقام شكر الله تعالى على اقداره على عدوه فنعم العوض، وان جمع بينهما كان أجمع لطريق الخيرات وذلك هو المراد من قوله " فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه " اي عوضا من الشكر فان حقيقة العفو ليست نفس الشكر، والله ولى التوفيق.
الكملة الثلاثون قوله عليه السلام: البخيل مستعجل الفقر يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.
أقول: قد عرفت حقيقة البخل وأقسام البخلاء وقد ذكر عليه السلام ههنا للبخيل ثلاثة احكام : الأول - انه مستعجل للفقر وبرهانه ان الاستعجال هو طلب الشئ الذي لابد من وقوعه وذلك الطلب اما أن يكون طلبا إراديا ذاتيا، أو طلبا عوضيا عارضا بسبب الأخلاق الردية، ولما كان الفقر لابد من وقوعه للبخيل بسبب انتقال ملكه إلى أحد شريكيه كما قال عليه السلام: لكل امرئ في ماله شريكان، الوارث والحوادث (1) كانت غاية ذلك عدم الانتفاع بالمال وعدم تصريفه فيما ينبغي من وجوهه، وكانت هذه الغاية حاصلة في حق البخيل في مدة وجوده بحسب اقتضاء أخلاقه الردية لها لا جرم كان مستعجلا للفقر.