تعالى: ذق انك أنت العزيز الكريم (1) وتبكيته لعدم بذل المال في وجهه وتقريع له وتقرير لما يكرهه ومواجهته بما ينفر طبعه أشد نفار بما لابد منه إذ (2) كانت مفارقة المال عليه أشد من مفارقته على الجواد، ثم لو حمل الجواد على نفسه في أن هذه النذارة واردة عليهما لهون (3) عنده بعض ما يجده من هذه المواجهة لما ان المصيبة إذا عمت هانت لاح له حينئذ الفرق بين الأصل والفرع بما ان بذل المال عن الجواد يكسبه حمدا ومجدا أثيلا في العاجل ونعيما وثوابا جزيلا في الاجل، وهو محروم من ذلك لعدم علة استحقاقه (4) فيه وربما كان ذلك سبب رشده وسبب حرصه على التخلق بضد خلقه واعداد نفسه لاقتناء أسبابه إن كان قد قضى له ذلك ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور (5).
الكملة الرابعة قوله عليه السلام: الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
أقول: تقدير الخبر: الناس بأهل زمانهم، وإنما حذف المضاف للعلم به كما في قوله تعالى:
واسأل القرية، إذ لا مشابهة للناس مع ذات الزمان، ثم ليس المراد من مشابهتهم المشابهة في الصور الجزئية أو الشخصية كما يقال: وجه فلان يشبه وجه فلان فإنهم بالاباء في ذلك أشبه، بل المراد أنهم أشبه في أفعالهم وعاداتهم وأخلاقهم وحالاتهم العارضة الغالبة. ثم إنه عليه السلام نبه بقوله " أشبه " على عدم نفى الشبه بالاباء بالكلية فإنهم وان كانوا يشبهون الاباء الا انهم بأهل زمانهم أشبه.
واما السبب الغالب في ذل فاعلم أنه لما كان الغالب على الخلق الغفلة والجهل البسيط وكانت النفوس الانسانية قد جبلت على محبة البدن وكثيرا ما تكون مطيعة للقوى متبعة للهوى مواظبة على اقتناء الكمالات الوهمية ولم يكن لتلك القوى البدنية.