أما تراني قالبا مجنى (1) * أقلب أمرى ظهره للبطن * قد قبل الله زيادا عنى * وكان رحمه الله يقول في قوله: " قد قبل الله زيادا عنى " سر لطيف، وهو أنه أقام قبله مقام عزله، فكأنه قال: قد عزل الله زيادا عنى، لأنه إذا قبل فقد زال سلطانه، وأمنت سطواته.
وقال آخرون: الظهر تنزيل القرآن وكلامه، والبطن تأويله وإحكامه. وقال بعضهم: معنى الظهر هاهنا ما قصه الله سبحانه علينا في القرآن من أنباء القرون وأخبار الملوك، وما أوقعه بهم من سطواته وأنزله بهم من نقماته، لما جمحوا في أعنة الطغيان، وأبعدوا في مذاهب البغى والعدوان.
وجميع ذلك أحاديث قصها سبحانه علينا، فهي في الظاهر إخبار منه لنا، وأما المراد بالباطن فإنه سبحانه جعل تلك الانباء المقصوصة، والأمثال المضروبة، عظة ينبه بها على طريق الرشد، ويحذر معها مصارع البغى فيتناهى عما كان السبب في إهلاك القرون الماضية، والأمم الخالية. وذلك مثل مخبر أخبرنا عن إيقاع السلطان بجماعة من الجناة، فقوم قتلهم لما قتلوا، وقوم قطعهم لما سرقوا، وقوم