لينزوي من النخامة (1) كما تنزوي الجلدة في النار "، يقال انزوت الجلدة إذا انقبضت واجتمعت. وهذا الكلام مجاز، وفيه قولان: * (أحدهما) * أن المسجد يتنزه عن النخامة، وهي البصقة، بمعنى أنه يجب أن يكرم عنها، وألا يبتذل بها. فإذا رؤيت عليه كانت شائنة له، وزارية (2) عليه، فكان معها بمنزلة الرجل ذي الهيئة يشمئز مما يهجنه (3)، وينقبض عما يدنسه، وأصل الانزواء:
الانحراف مع تقبض وتجمع. * (والقول الآخر) *: أن يكون المراد أهل المسجد، فأقيم المسجد في الذكر مقامهم لما كان يشتمل عليهم، وعلى ذلك قول الشاعر:
* واستب بعدك يا كليب المجلس (4) * والمراد أهل المجلس، لان الاستباب لا يكون بين القاعات والجدران، وإنما يكون بين الانسان والانسان. فالمعنى أن أهل المسجد ينقبضون من النخامة إذا رأوها فيه ذهابا به عن الأدناس،