ويظهر من هذه الرواية ان الاضرار بالغير غير جائز حتى إذا كان منشأه التصرف في أمواله التي يتسلط على التصرف فيها كيف يشاء بمقتضى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، فإن صاحب العين إنما أراد التصرف في عينه المملوكة بان يجعلها أسفل مما كانت فمنعه الإمام (ع) من ذلك لما فيه من الاضرار بالعيون القريبة منها هذا ولكن لا عموم فيها يمكن التمسك به في غير موردها. نعم لا يبعد التعدي عنه إلى غير البئر من التصرفات والى سائر الجيران والاملاك المتقاربة.
وقد عنون الفقهاء هذه المسألة في باب (حريم العين) من كتاب احياء الموات والمشهور بينهم ان حريم العين والقناة الف ذراع في الأرض الرخوة وخمسمأة ذراع في الأرض الصلبة، ولكن المحكى عن الإسكافي والمختلف والمسالك ان حده ان لا يضر الثاني بالأول.
وكيف كان هذا الخلاف لا دخل له فيما نحن بصدده فإنه لا شك في أن الحكمة أو العلة في التحديد بالألف وخمسمأة على القول به هو رفع الاضرار، ولا يبعد القول بكفاية أحد الامرين أعني البعد بالمقدار المذكور والعلم بعدم تضرر الجار، وتمام الكلام في محله.
ثم لا يخفى ان منصرف الرواية هو ما إذا كان ترك ذاك التصرف موجبا لفوات بعض المنافع الزائدة المترقبة لمالك العين لا ما إذا كان يتضرر بتركه حتى يؤل الامر إلى تعارض الضررين، وليكن هذا على ذكر منك حتى نبحث عنه في بحث تعارض الضررين من التنبيهات الآتية انشاء الله تعالى.
11 - ما رواه الكليني باسناده عن محمد بن الحسين قال: كتبت إلى أبى محمد (ع) رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل ان يحفر قناة أخرى إلى قرية له كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر إحديهما بالأخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقع (ع)، على حسب أن لا تضر إحديهما بالأخرى إن شاء الله (رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب احياء الموات).
وهذه الرواية دالة على أن هذا الحكم، أعني عدم جواز الاضرار بالغير - حتى بان يتصرف