بل الذي يحتاج إليه هو نفى اضرار بعض المكلفين ببعض كذلك، مثل ما في قضية سمرة ومنها - قوله في ذيل رواية (منع فضل الماء) التي رواها عقبة بن خالد: (انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وقال لا ضرر ولا ضرار) بناء على أن ورود هذه الفقرة ذيلها كما قويناه ظاهر في أن نفى الضرر والضرار بمنزلة التعليل للنهي عن منع فضل الماء، فكأنه قال لا يمنع صاحب البئر فضل مائه لما فيه من الاضرار بالممنوع، واضرار الناس بعضهم ببعض منفى في الشريعة، فظاهر هذه الرواية أيضا كون الفاعل، المكلفين واحتمال كونه هو الشارع يحتاج إلى تكليف بعيد.
هذا مضافا إلى ظهور كلمات أئمة اللغة في ذلك حيث إنهم فسروه بما يرجع إلى النهى عن الاضرار، ومن الواضح انه لا يتم الا على كون الفاعل هو الناس وقد عرفت عند التعرض لما اختاره المحقق الأصفهاني ونقده انه لا يستفاد من تفسيرهم ان لفظة (لا) استعملت في النهى وإن كان كناية عنه فراجع، والحاصل ان هذه التفسيرات أيضا مؤيدة لما ذكرنا، وكذا ما يظهر من أئمة الفقه ومهرته من التمسك بهذه القاعدة في أبواب المعاملات وما يحذو حذوها مما يرجع إلى مناسبات بين الناس وليس التمسك بها في أبواب العبادات بهذه المثابة كما لا يخفى على من له انس بكلماتهم.
ومما ذكرنا يظهر حال الوجه الثاني من الوجوه المذكورة في معنى الحديث، حيث إنه يشترك مع الوجه الأول من جهات شتى وإن كان قابلا للتطبيق على المذهب المختار كما سنشير إليه فيما يلي.
فذلكة الكلام في معنى الحديث قد عرفت مما ذكرنا في توضيح الوجوه التي ذكرها الاعلام في تفسير الحديث وما يتوجه إليها من الايرادات أمورا:
الأول - ان كلمة (لا) هنا بمعنى النفي لا النهى الثاني - ان الفاعل للضرر في قوله (لا ضرر ولا ضرار) هو الناس لا الشارع المقدس الثالث - ان المنفى هو نفس الضرر والضرار لا الأحكام التي ينشأ منها الضرر و لكنه كناية عن عدم امضائهما في الشرع، ومن هذه الأمور يستنتج المذهب المختار في