الكثيرة الموجودة في نفس روايات الباب تشرف الفقيه على القطع بعدم شمولها لها، و فتاوى الأصحاب أيضا شاهدة له، ولو تنزلنا منه وحكمنا باجمالها فاللازم أيضا الاخذ بالمتيقن منها فتبقى اطلاقات أدلة هذه التكاليف سليمة عن المعارض أو الحاكم.
هذا ولكن الذي يسهل الخطب امكان الاستناد إلى قاعدة (نفى الحرج) في جل هذه الموارد فيستغنى بها عن غيرها ولكن مع ذلك تظهر الثمرة في موارد نادرة يصدق عليها عنوان الضرر دون الحرج فراجع وتأمل.
وهنا احتمال آخر في معنى الحديث يحكم عن بعض (أعاظم العصر) وهو ان مفاد هذه القاعدة حكم سلطاني بمنع اضرار الناس بعضهم ببعض، فإن للنبي صلى الله عليه وآله مقامات ثلاثة: مقام النبوة وتبليغ الرسالة وهو من هذه الجهة مبلغ عن الله وحاك لأحكامه الظاهرية والواقعية، كالمجتهد بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المستفادة من الكتاب والسنة، و (مقام القضاء) وذاك عند تنازع الناس في حقوقهم وأموالهم فللنبي القضاء وفصل الخصومة بينهم، و (مقام السلطنة) والرياسة من قبل الله، نافذ امره ونهيه فيما يراه مصلحة للأمة كنصب امراء الجيوش والقضاة وأشباهها.
وظاهر ان حكمه صلى الله عليه وآله في قضية سمرة بنفي الضرر والضرار ليس من الأول ولا الثاني، لأنه لم يكن للأنصاري - ولا لسمرة - شك في حكم تكليفي أو وضعي في قضيتهما، أو تنازع في حق اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أو الحكم، وإنما وقع ما وقع من الأنصاري في مقام الشكوى والتظلم والاستنصار منه صلى الله عليه وآله بما انه سلطان على المسلمين وسائسهم مع وضوح الحكم والموضوع كليهما، فأمره صلى الله عليه وآله بقلع النخلة حسما لمادة الفساد ثم عقبه بقوله لا ضرر ولا ضرار، فهذا حكم سلطاني عام بعد حكمه الخاص، ومعناه انه لا يضر أحد أحدا في حمى سلطاني وحوزة رعيتي وعلى جميع الأمة اطاعته في ذلك والانتهاء بنهيه، لا بما انه حكم من أحكام الله بل بما انه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية (عبادة بن صامت) المروية من طرق العامة بقوله: وقضى. الظاهر في هذا النوع من الحكم هذا ملخص ما يحكى