مفاد القاعدة ووجه تقدمها على سائر العمومات لا يخفى ان العسر والحرج والإصر وأمثال هذه العناوين أوصاف للأفعال التي تتعلق بها الأحكام لا لنفس الأحكام، مثلا وضوء المختار لمن على يده جبيرة أمر حرجي متعسر، فالمتصف بهذه الصفة نفس هذا العمل لا الوجوب المتعلق به، فلا يقال وجوب الوضوء على مثل هذا الشخص أمر حرجي وفيه ضيق على المكلف الا من باب الوصف بحال المتعلق، فإنه لو كان في الوجوب ضيق فإنما هو من ناحية العمل المتعلق به.
ويشهد له نفى الجعل عنه. في قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) فإن الجعل على المكلفين كناية عن التكليف، والمجعول هو نفس العمل المكلف به وهو المتصف بالحرج هنا، فكأن (المكلف به) أمر يضعه الشارع على عاتق المكلفين ويكون ثقله عليهم، كما أنه قد يرفعه عنهم (ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم) فقوله: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) بمعنى: لم يكلفكم عملا حرجيا متعسرا وأوضح من ذلك قوله صلى الله عليه وآله في رواية الاحتجاج السابقة (1): (يعنى بالأصر الشدائد التي كانت على الأمم السابقة - إلى أن قال - كنت لا اقبل صلاتهم الا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم وان بعدت وقد جعلت الأرض كلها لامتك مسجدا و طهورا فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك)... إلى غير ذلك من فقراتها، فإنها ظاهرة أو صريحة في أن نفس هذه الأعمال كانت من الآصار الثابتة في حق الأمم الماضية المرفوعة عن هذه الأمة المرحومة.
فالمرفوع أولا وبالذات هي نفس الافعال الحرجية الا ان رفعها عن المكلفين أو عدم جعلها عليهم كناية عن عدم ايجابها كما أن وضعها عليهم كناية عن ايجابها فالوضع والرفع في عالم التشريع هو الايجاب ونفيه وهذا التعبير - كما عرفت - مأخوذ من