التنبيه الثالث في وجه تقديم هذه القاعدة على أدلة الأحكام الأولية المعروف في وجه تقديم عموم هذه القاعدة على أدلة الأحكام الشرعية انه من باب حكومتها عليها فليستا من قبيل المتعارضين حتى تلاحظ النسبة بينهما أو يطلب الترجيح، وقد ذكر في وجه تقديمها عليها وجوه أخر. ولكن هذا البحث مبنى على مختاراتهم في معنى الحديث.
فمن قال بان معناه نفى الحكم الضرري فهو قائل بالحكومة لا محالة، لأنه بمدلوله اللفظي ناظر إلى أدلة الأحكام الأولية فيكون حاكما عليها، وكذلك الكلام على مذهب من يقول بان معناه نفى الحكم الضرري بلسان نفى موضوعه، واما بناء على ثالث الأقوال في معنى الحديث، وهو أن يكون النفي بمعنى النهى، فلا يبقى مورد للحكومة ولا ربط له بأدلة الأحكام، بل هو كساير النواهي الشرعية الواردة في مواردها بلا تفاوت بينها وكذا الكلام على المعنى الرابع وهو إرادة نفى الصفة - أعني صفة عدم التدارك - عن نفى الضرر ليكون إشارة إلى لزوم تدارك الضرر، فإنه ح حكم مستقل في قبال ساير الأحكام يختص بموارد الغرامات ويدل على اشتغال ذمة الضار بغرامة ضرره، فيقدم على العمومات الدالة على براءة الذمة منها، اما لكونه أخص منها، أو لعدم بقاء المورد له على فرض عدم التقدم، أو لقوته وابائه عن التخصيص، هذا كله على مختارات القوم.
واما بناء على مختارنا في معنى الحديث من أن مفاده نفى امضاء اضرار الناس بعضهم ببعض في عالمي الوضع والتكليف فالظاهر أيضا عدم حكومته على أدلة الأحكام الأخر لعدم كونه ناظرا إليها فإن الحكومة عبارة عن كون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الاخر بحيث لولاه لكان لغوا باطلا.
اما بان يتصرف في موضوعه كقول المولى لعبده: (ان الفاسق ليس بعالم) في قبال قوله أكرم العلماء.