كان عدم الذكر في الرواية يدل على عدم الذكر في نفس الامر وليس كذلك، فإن عدم الذكر إنما يدل على عدم الوجوب، وهو غير عدم الذكر في نفس الامر، فيقدم ما دل على الوجوب لأنه إثبات لزيادة يتعين العمل بها انتهى. والوظائف التي أرشد إليها قد امتثلنا رسمه فيها. فجمعنا من طرق هذا الحديث في هذا الشرح عند الكلام على مفرداته ما تدعو الحاجة إليه، وتظهر للاختلاف في ألفاظه مزيد فائدة، وعملنا بالزائد فالزائد من ألفاظه، فوجدنا الخارج عما اشتمل عليه حديث الباب: الشهادتين بعد الوضوء، وتكبير الانتقال، والتسميع، والإقامة، وقراءة الفاتحة، ووضع اليدين على الركبتين حال الركوع، ومد الظهر، وتمكين السجود، وجلسة الاستراحة، وفرش الفخذ، والتشهد الأوسط، والامر بالتحميد والتكبير والتهليل والتمجيد عند عدم استطاعة القراءة، وقد تقدم الكلام على جميعها، إلا التشهد الأوسط، وجلسة الاستراحة، وفرش الفخذ، فسيأتي الكلام على ذلك. والخارج عن جميع ألفاظه من الواجبات المتفق عليها كما قال الحافظ والنووي: النية، والقعود الأخير. ومن المختلف فيها التشهد الأخير، والصلاة على النبي (ص) فيه، والسلام في آخر الصلاة وقد قدمنا الكلام على النية في الوضوء، وسيأتي الكلام على الثلاثة الأخيرة. وأما قوله إنها تقدم صيغة الامر إذا جاءت في حديث آخر واختياره لذلك من دون تفصيل فنحن لا نوافقه، بل نقول: إذا جاءت صيغة أمر قاضية بوجوب زائد على ما في هذا الحديث، فإن كانت متقدمة على تاريخه كان صارفا لها إلى الندب، لأن اقتصاره (ص) في التعلم على غيرها وتركه لها من أعظم المشعرات بعدم وجوب ما تضمنته لما تقرر من أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وإن كانت متأخرة عنه فهو غير صالح لصرفها، لان الواجبات الشرعية ما زالت تتجدد وقتا فوقتا، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره، أعني الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين، لأن النبي (ص) اقتصر عليها في مقام التعليم، والسؤال عن جميع
(٢٩٨)