كلمة والإقامة سبع عشرة وهو حديث صححه الترمذي وغيره، وهو متأخر عن حديث بلال الذي فيه الامر بإيتار الإقامة لأنه بعد فتح مكة لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلال أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الاذان فيكون ناسخا. وقد روى أبو الشيخ: أن بلالا أذن بمنى ورسول الله (ص) ثم مرتين مرتين وأقام مثل ذلك إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها لما أسلفناه، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين، لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إفراد الإقامة وتثنيتها، قال أبو عمر بن عبد البر: ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله (ص) في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا: كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي (ص) جميع ذلك وعمل به أصحابه، فمن شاء قال: الله أكبر أربعا في أول الاذان، ومن شاء ثنى، ومن شاء ثنى الإقامة، ومن شاء أفرده إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى. وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة بأجوبة منها أن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة وهذا ممنوع فإن المعتبر في الناسخ مجرد الصحة لا الأصحية.
ومنها أن جماعة من الأئمة ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ورووا من طريق أبي محذورة أن النبي (ص) أمره أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة، كما ذكر ذلك الحازمي في الناسخ والمنسوخ، وأخرجه البخاري في تاريخه والدار قطني وابن خزيمة، وهذا الوجه غير نافع لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ، وقد حفظ غيرهم من الأئمة كما تقدم ومن علم حجة على من لا يعلم.
وأما رواية إيتار الإقامة عن أبي محذورة فليست كروايته التشفيع على أن الاعتماد على الرواية المشتملة على الزيادة. ومن الأجوبة أن تثنية الإقامة لو فرض أنها محفوظة وأن الحديث بها ثابت لكانت منسوخة، فإن أذان بلال هو آخر الامرين، لأن النبي (ص) لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالا على أذانه وإقامته.
قالوا: وقد قيل لأحمد بن حنبل أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ قال: أليس قد رجع رسول الله (ص)