إنشاد الضالة. أما البيع والشراء فذهب جمهور العلماء إلى أن النهي محمول على الكراهة، قال العراقي: وقد أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه، وهكذا قال الماوردي. وأنت خبير بأن حمل النهي على الكراهة يحتاج إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي الذي هو التحريم عند القائلين بأن النهي حقيقة في التحريم وهو الحق، وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد لا منافاة بينه وبين التحريم، فلا يصح جعله قرينة لحمل النهي على الكراهة. وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه لا يكره البيع والشراء في المسجد والأحاديث ترد عليه. وفرق أصحاب أبي حنيفة بين أن يغلب ذلك ويكثر فيكره أو يقل فلا كراهة وهو فرق لا دليل عليه. وأما إنشاد الاشعار في المسجد فحديث الباب وما في معناه يدل على عدم جوازه، ويعارضه ما سيأتي من قصة عمر وحسان، وتصريح حسان بأنه كان ينشد الشعر بالمسجد وفيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك حديث جابر بن سمرة الآتي، وقد جمع بين الأحاديث بوجهين: الأول حمل النهي على التنزيه والرخصة على بيان الجواز. والثاني حمل أحاديث الرخصة على الشعر الحسن المأذون فيه، كهجاء حسان للمشركين ومدحه صلى الله عليه وآله وسلم وغير ذلك، ويحمل النهي على التفاخر والهجاء ونحو ذلك، ذكر هذين الوجهين العراقي في شرح الترمذي، وقد بوب النسائي على قصة حسان مع عمر بن الخطاب فقال: باب الرخصة في إنشاد الشعر الحسن. وقال الشافعي: الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح. وقد ورد هذا مرفوعا في غير حديث، فروى أبو يعلى عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشعر فقال: هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح قال العراقي: وإسناده حسن، ورواه أيضا البيهقي في سننه من طريق أبي يعلى ثم قال: وصله جماعة والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. وروى الطبراني في الأوسط من رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وحبان بن جبلة وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبح الكلام وقد جمع الحافظ بين الأحاديث بحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، وحمل المأذون فيه على ما سلم من ذلك، ولكن حديث جابر بن سمرة الآتي فيه التصريح بأنهم كانوا يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية قال: وقيل المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه. وأبعد أبو عبد الله البوني
(١٦٧)