ودون يد الحجاج من أن تنالني * بساط لأيدي الناعجات عريض (والحديث) يدل على جواز الصلاة على البسط، وقد حكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور الفقهاء، وقد كره ذلك جماعة من التابعين ممن بعدهم، فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين أنهما قالا: الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة. وعن جابر بن زيد أنه كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض. وعن عروة بن الزبير أنه كان يكره أن يسجد على شئ دون الأرض. وإلى الكراهة ذهب الهادي ومالك.
ومنعت الامامية صحة السجود على ما لم يكن أصله من الأرض، وكره مالك أيضا الصلاة على ما كان من نبات الأرض، فدخلته صناعة أخرى كالكتان والقطن. قال ابن العربي:
وإنما كرهه من جهة الزخرفة. واستدل الهادي على كراهة ما ليس من الأرض بحديث:
جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا بناء على أن لفظ الأرض لا يشتمل ذلك. قال في ضوء النهار: وهو وهم لأن المراد بالأرض في حديث التراب بدليل وطهورا، وإلا لزم مذهب أبي حنيفة في جواز التيمم بما أنبتت الأرض انتهى. وأقول: بل المراد بالأرض في الحديث ما هو أعم من التراب بدليل ما ثبت في الصحيح بلفظ: وتربتها طهورا وإلا لزم صحة إضافة الشئ إلى نفسه وهي باطلة بالاتفاق، ولكن الأولى أن يقال في الجواب عن الاستدلال بالحديث أن التنصيص على كون الأرض مسجدا لا ينفي كون غيرها مسجدا بعد تسليم عدم صدق مسمى الأرض على البسط، على أن السجود على البسط ونحوها سجود على الأرض، كما يقال للراكب على السرج الموضوع على ظهر الفرس: راكب على الفرس، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى على البسط وهو لا يفعل المكروه.
(فائدة) حديث أنس الذي ذكر بلفظ البسط أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير، قال العراقي في شرح الترمذي: فرق المصنف يعني الترمذي بين حديث أنس في الصلاة على البسط وبين حديث أنس في الصلاة على الحصير وعقد لكل منهما بابا، وقد روى ابن أبي شيبة في سننه ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ: فيصلي أحيانا على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء قال العراقي: فتبين أن مراد أنس بالبساط الحصير، ولا شك أنه صادق على الحصير، لكونه يبسط على الأرض أي يفرش انتهى.