من قبل أن يتماسا) * ولذلك كان الوطئ محرما حتى يكفر. قالوا: ولو كان العود نفسه هو الامساك لكان الظهار نفسه يحرم الامساك فكان الظهار يكون طلاقا. وبالجملة فالمعول عليه عندهم في هذه المسألة هو الطريق الذي يعرفه الفقهاء بطريق السبر والتقسيم، وذلك أن معنى العود لا يخلو أن يكون تكرار اللفظ على ما يراه داود، أو الوطئ نفسه، أو الامساك نفسه، أو إرادة الوطئ. ولا يكون تكرار اللفظ، لان ذلك تأكيد والتأكيد لا يوجب الكفارة، ولا يكون إرادة الامساك للوطئ، فإن الامساك موجود بعد، فقد بقي أن يكون إرادة الوطئ، وإن كان إرادة الامساك للوطئ فقد أراد الوطئ، فثبت أن العود هو الوطئ.
ومعتمد الشافعية في إجرائهم إرادة الامساك، أو الامساك للوطئ مجرى إرادة الوطئ أن الامساك يلزم عنه الوطئ فجعلوا لازم الشئ مشبها بالشئ، وجعلوا حكمهما واحدا، وهو قريب من الرواية الثانية، وربما استدلت الشافعية على أن إرادة الامساك هو السبب في وجوب الكفارة أن الكفارة ترتفع بارتفاع الامساك، وذلك إذا طلق إثر الظهار، ولهذا احتاط مالك في الرواية الثانية، فجعل العود هو إرادة الامرين جميعا: أعني الوطئ والامساك، وأما أن يكون العود الوطئ فضعيف ومخالف للنص، والمعتمد فيها تشبيه الظهار باليمين: أي كما أن كفارة اليمين إنما تجب بالحنث كذلك الامر ههنا، وهو قياس شبه عارضه النص.
وأما داود فإنه تعلق بظاهر اللفظ في قوله تعالى: * (ثم يعودون لما قالوا) * وذلك يقتضي الرجوع إلى القول نفسه، وعند أبي حنيفة أنه العود في الاسلام إلى ما تقدم من ظهارهم في الجاهلية. وعند مالك والشافعي أن المعنى في الآية: ثم يعودون فيما قالوا.
وسبب الخلاف: بالجملة إنما هو مخالفة الظاهر للمفهوم، فمن اعتمد المفهوم جعل العودة إرادة الوطئ أو الامساك، وتأول معنى اللام في قوله تعالى: * (ثم يعودون لما قالوا) * بمعنى الفاء، وأما من اعتمد الظاهر فإنه جعل العودة تكرير اللفظ، وأن العودة الثانية إنما هي ثانية للأولى التي كانت منهم في الجاهلية. ومن تأول أحد هذين، فالأشبه له أن يعتقد أن بنفس الظهار تجب الكفارة كما اعتقد ذلك مجاهد، إلا أن يقدر في الآية محذوفا وهو إرادة الامساك، فهنا إذن ثلاثة مذاهب: إما أن تكون العودة هي تكرار اللفظ، وإما أن تكون إرادة الامساك، وإما أن تكون العودة التي هي في الاسلام، وهذان ينقسمان قسمين: أعني الأول والثالث:
أحدهما: أن يقدر في الآية محذوفا، وهو إرادة الامساك فيشترط هذه الإرادة في وجوب الكفارة، وإما ألا يقدر فيها محذوفا فتجب الكفارة بنفس الظهار. واختلفوا من هذا الباب في فروع وهو: هل إذا طلق قبل إرادة الامساك أو ماتت عنه زوجته هل تكون عليه كفارة أم لا؟ فجمهور العلماء على أن لا كفارة عليه إلا أن يطلق بعد إرادة العودة أو بعد