تجد حسا في بطنها تظن به أنه حمل فإنها تمكث أكثر مدة الحمل، وقد اختلف فيه فقيل في المذهب أربع سنين، وقيل خمس سنين، وقال أهل الظاهر: تسعة أشهر. ولا خلاف أن انقضاء عدة الحوامل لوضع حملهن: أعني المطلقات لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * وأما الزوجات غير الحرائر فإنهن ينقسمن أيضا بتلك الأقسام بعينها، أعني حيضا ويائسات ومستحاضات ومرتفعات الحيض من غير يائسات. فأما الحيض اللاتي يأتيهن حيضهن، فالجمهور على أن عدتهن حيضتان، وذهب داود وأهل الظاهر إلى أن عدتهن ثلاث حيض كالحرة، وبه قال ابن سيرين. فأهل الظاهر اعتمدوا عموم قوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * وهي ممن ينطلق عليها اسم المطلقة.
واعتمد الجمهور تخصيص هذا العموم بقياس الشبه وذلك أنهم شبهوا الحيض بالطلاق والحد أعني كونه متنصفا مع الرق. وإنما جعلوها حيضتين لان الحيضة الواحدة لا تتبعض. وأما الأمة المطلقة اليائسة من المحيض أو الصغيرة فإن مالكا وأكثر أهل المدينة قالوا: عدتها ثلاثة أشهر، وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور وجماعة عدتها شهر ونصف شهر نصف عدة الحرة وهو القياس إذا قلنا بتخصيص العموم، فكأن مالكا اضطرب قوله، فمرة أخذ بالعموم، وذلك في اليائسات، ومرة أخذ بالقياس وذلك في ذوات الحيض، والقياس في ذلك واحد. وأما التي ترتفع حيضتها من غير سبب فالقول فيها هو القول في الحرة والخلاف في ذلك، وكذلك المستحاضة، واتفقوا على أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها. واختلفوا فيمن راجع امرأته في العدة من الطلاق الرجعي ثم فارقها قبل أن يمسها هل تستأنف عدة أم لا؟ فقال جمهور فقهاء الأمصار:
تستأنف، وقالت فرقة: تبقى في عدتها من طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي، وقال داود: ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستأنفة. وبالجملة فعند مالك أن كل رجعة تهدم العدة وإن لم يكن مسيس، ما خلا رجعة المولي. وقال الشافعي: إذا طلقها بعد الرجعة وقبل الوطئ ثبتت على عدتها الأولى، وقول الشافعي أظهر. وكذلك عند مالك رجعة المعسر بالنفقة تقف صحتها عنده على الانفاق فإن أنفق صحت الرجعة وهدمت العدة إن كان طلاقا، وإن لم ينفق بقيت على عدتها الأولى، وإذا تزوجت ثانيا في العدة فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما تداخل العدتين، والأخرى نفيه. فوجه الأولى اعتبار براءة الرحم، لان ذلك حاصل مع التداخل. ووجه الثانية كون العدة عبادة، فوجب أن تتعدد بتعدد الوطئ الذي له حرمة، وإذا عتقت الأمة في عدة الطلاق مضت على عدة الأمة عند مالك، ولم تنتقل إلى عدة الحرة، وقال أبو حنيفة: تنتقل في الطلاق الرجعي دون البائن