بشئ من الرهن، وقال قوم: إذا كان الرهن حيوانا فللمرتهن أن يحلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجوا بما وراء أبو هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: الرهن محلوب ومركوب. ومن هذا الباب اختلافهم في الرهن يهلك عند المرتهن: ممن ضمانه؟ فقال قم: الرهن أمانة وهو من الراهن، والقول قول المرتهن مع يمينه أنه ما فرط فيه وما جنى عليه، وممن قال بهذا القول الشافعي وأحمد وأبو ثور وجمهور أهل الحديث، وقال قوم الرهن من المرتهن ومصيبته منه، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وجمهور الكوفيين. والذين قالوا بالضمان انقسموا قسمين: فمنهم من رأى أن الرهن مضمون بالأقل من قيمته أو قيمة الدين، وبه قال أبو حنيفة وسفيان وجماعة. ومنهم من قال: هو مضمون بقيمته قلت أو كثرت. وأنه إن فضل للراهن شئ فوق دينه أخذه من المرتهن، وبه قال علي بن أبي طالب وعطاء وإسحاق. وفرق قوم بين ما لا يغاب عليه مثل الحيوان والعقار مما لا يخفى هلاكه، وبين ما يغاب عليه من العروض، فقالوا: هو ضامن فيما يغاب عليه ومؤتمن فيما لا يغاب عليه. وممن قال بهذا القول مالك والأوزاعي وعثمان البتي، إلا أن مالكا يقول: إذا شهد الشهود بهلاك ما يغاب عليه من غير تضييع ولا تفريط.
فإنه لا يضمن وقال الأوزاعي وعثمان البتي: بل يضمن على كل حال قامت بينة أو لم تقم، ويقول مالك قال ابن القاسم. ويقول عثمان والأوزاعي قال أشهب. وعمدة من جعله أمانة غير مضمونة حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: لا يغلق الرهن وهو ممن رهنه: له غنمه وعليه غرمه: أي له غلته وخراجه. وعليه افتكاكه ومصيبته منه. قالوا: وقد رضي الراهن أمانته فأشبه المودع عنده. وقال المزني من أصحاب الشافعي محتجا له: قد قال مالك ومن تابعه إن الحيوان وما ظهر هلاكه أمانة، فوجب أن يكون كله كذلك. وقد قال أبو حنيفة: إن ما زاد من قيمة الرهن على قيمة الدين فهو أمانة فوجب أن يكون كله أمانة، ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام عند مالك ومن قال بقوله: وعليه غرمه أي نفقته. قالوا ومعنى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: الرهن مركوب ومحلوب أي أجرة ظهره لربه. ونفقته عليه. وأما أبو حنيفة وأصحابه فتأولوا قوله عليه الصلاة والسلام: له غنمه وعليه غرمه أن غنمه ما فضل منه على الدين. وغرمه ما نقص. وعمدة من رأى أنه مضمون من المرتهن أنه عين تعلق بها حق الاستيفاء ابتداء فوجب أن تسقط بتلفه، أصله تلف المبيع عند البائع إذا أمسكه حتى يستوفي الثمن، وهذا متفق عليه من الجمهور، وإن كان عند مالك كالرهن، وربما احتجوا بما روي عن النبي (ص) أن رجلا ارتهن فرسا من رجل، فنفق في يده، فقال عليه الصلاة والسلام للمرتهن: ذهب حقك.
وأما تفريق مالك بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه فهو استحسان، ومعنى ذلك أن التهمة تلحق فيما يغاب عليه، ولا تلحق فيما لا يغاب عليه. وقد اختلفوا في معنى