وأيضا ظاهر قوله تعالى: {ولا يسألكم أموالكم}. (1) يدل على ما قلناه، لأن المراد أنه تعالى لا يوجب فيها حقوقا، ولا يخرج عن هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع. (2) ولا تجب الزكاة في عروض التجارة إذا طلبت برأس المال خلافا لهما. (3) لنا دلالة الأصل وقوله (عليه السلام): (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة)، ولم يفصل بين ما كان معرضا للتجارة وبين ما ليس كذلك، وإذا ثبت ذلك في العبد والفرس ثبت في غيرهما، لأن أحدا لم يفصل بين الأمرين.
وأما قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}. (4) فلا يصح تعلقهم به، لأن المراد بذلك الحق هو الشئ اليسير - الذي يعطي الفقير المجتاز - من الزرع وقت الحصاد على جهة التبرع، و لا ينكر وقوع لفظة (حق) على المندوب، لأنه قد روي بأن رجلا قال: يا رسول الله هل علي حق في إبلي سوى الزكاة؟ قال (صلى الله عليه وآله) نعم أن تحمل عليها وتسقي من لبنها، ويدل على صحة ما قلناه في الآية أن الزكاة الواجبة في وقت الحصاد لا يصح، وإنما يصح بعد الدياس والتصفية، و إن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحصاد والجذاذ وهو صرام النخل بالليل، وليس ذلك إلا لما فيه من حرمان الفقراء والمساكين.
وكذا قوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض}. (5) لا يصح التعلق به أيضا، لأنا لا نسلم أن اسم الإنفاق يقع بإطلاقه على الزكاة بل لا يقع بالإطلاق إلا على غير الواجب [48 / أ]، ولئن سلمنا لخصصنا الآية بالدليل.
وقولهم: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}. (6) عام يدخل فيه عروض التجارة و غيرها، باطل متروك الظاهر عندهم لأنهم يضمرون أن تبلغ قيمة العروض مقدار النصاب، وإذا عدلوا عن الظاهر، لم يكونوا أولى من غيرهم إذا عدل عنه وخص الآية بالأصناف التي أجمعت الأمة على وجوب الزكاة فيها.
ولهذا نجيب عن تعلقهم بقوله تعالى: {وفي أموالهم حق معلوم}. (7) على أن سياق الآية خارجة مخرج المدح للمذكورين فيها بما فعلوه وإعطاؤهم قد يكون ندبا كما يكون