هذا وقد فصل المحقق العراقي في المقام فقال: (لو ادعى دارا في يد زيد بأجمعها وادعى عمرو نصفها فتارة تكون دعوى التمام بسبب غير قابل للتفكيك بين النصفين وأخرى على نحو قابل للتفكيك بينهما من حيث الصدق والكذب، فعلى الأول: تكون دعوى النصف مزاحمة لدعوى التمام دون الآخر، ولازمه حينئذ تزاحم بينهما، وفي مثله لا مجال لتوهم الأخذ بالبينة بالنسبة إلى النصف بلا معارض بل ولا مجال للأخذ بدعواه بملاك الدعوى بلا معارض، لما عرفت من أن دعوى الملكية على النحو المزبور معارض بدعوى النصف من غيره.)) أي: إن قال أحدهما بأن هذه الدابة نتجت عندي، أي كلها لي، وقال الآخر: هي بيننا أي على النصف من جهة الإرث، فإذا أقاما البينة على دعواهما كانت البينتان متعارضتين وليس في البين قدر متفق عليه بين الطرفين، وحينئذ يحكم بينهما على طريق العول. نعم إذ قال هذا هي كلها لي، فقال الآخر: قد بعتني نصفها، فهنا لا نزاع في أحد النصفين.
هذا توضيح ما ذكره، لكن نقول: إن كانت حجية البينة في باب القضاء من باب الطريقية إلى الواقع، فإن البينة القائمة على ملكية النصف بالإرث تسقط عن الطريقية والكاشفية مع وجود المعارض، وهو البينة القائمة على ملكية الكل بالنتاج، لكن البينة هنا جعلت حجة لأجل فصل الخصومة ورفع النزاع، فإذا أقامها أحدهما على ملكية الكل والآخر على ملكية النصف فقد جعل الشارع الحكم بالتنصيف لفصل الخصومة مع أن الحاكم يعلم علما اجماليا بكذب إحدى البينتين.
وبما ذكرنا أجاب المحقق الآشتياني عن توجيه صاحب الجواهر لمذهب ابن الجنيد بأن الطرفين مالكان لجميع الأجزاء على الإشاعة فقال: بأن ما ذكره يتم بناء على الطريقية، وأما بناء على السببية فلا، فإن دليل حجية البينة في باب القضاء يقتضي سببية البينة فيحكم بحسبها حكما ظاهريا، وعلى هذا فالنصف الذي لا يدعيه أحدهما يخرج عن محل النزاع وتكون بينة الآخر سببا لملكيته له، ويبقى النصف