ليس من محل الضرورة المسوغة للانفاذ المخالف للأصل.
وأجاب عنه في الجواهر بأن ذلك ليس قولا لأحد من أصحابنا ولم نعرف أحدا حكاه غيره، وبأن الضرورة المذكورة في الدليل إنما هي حكمة أصل المشروعية للانفاذ لا أنها علة يدور الحكم مدارها وجودا وعدما، وبأن الضرورة قد تتحقق فيه لقطع الخصومة مع عدم الكون في البلاد المتباعدة من الحاكم الأول.
حقيقة الانفاذ هذا وليس (الانفاذ) ارشادا إلى العمل بحكم الحاكم الأول فقط، كما هو الشأن في عمل نقلة فتاوى الفقهاء وارشاد هم العوام إلى العمل بفتاوى مقلديهم، بل إن المراد من الانفاذ حكم الثاني بوجوب إطاعة حكم الأول ولزوم تطبيقه حتى ينقطع النزاع، بغض النظر عن صحته وسقمه، فله أن يقول: يجب امتثال الحكم بكون المال لزيد وإن كنت لا أعلم بصحة هذا الحكم. هذا ما تفيده ظواهر كلمات القوم.
والدليل عليه قوله عليه السلام: (فإذا حكم.) وليس من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا يكون فاصلا للخصومة، ولو كان من ذلك الباب لما كان كذلك.
لكن يمكن أن يقال بأن للحاكم الثاني أن يجعل حكم الأول حجة في الحكم كما يحكم استنادا إلى البينة مثلا، فله أن يحكم في أصل القضية حكما من عنده استنادا إلى نظر الأول في الواقعة وحكمه فيها، ولا ينافيه ظاهر الحصر في قوله صلى الله عليه وآله (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان) لجواز حمله على الحصر الإضافي، وقد أجاز ذلك المحقق النراقي ومنعه المشهور مستدلين بأن هذا الحكم قول بغير علم، إذ المفروض عدم علمه بكون المال لزيد مثلا، وبأن المفروض جهله بملاك حكم الأول فمن الجائز أنه لو علم به لخالفه، وعلى هذا فليس له الحكم به، كما لا يجوز له الحكم بصحته أو موافقته للواقع.
واستدل النراقي بأن حكم الحاكم الأول حكم الله في الواقعة، لأدلة حجية