قال في الجواهر: إن ما ذكره صاحب المسالك فرض نادر، قلت: وليكن نادرا، فإن الشارع جعل طريقا لفصل الخصومة فيه أيضا من باب اللطف.
وظاهر هذا الوجه الأول هو التعليل لثبوت الحكم، وإذ ثبت ووصل إلى الحاكم الثاني وجب القبول والانفاذ، لأن ملاك الثبوت والقبول هو ما ذكره من التعليل المذكور.
والوجه الثاني ما ذكره بقوله: (ولأنه لو لم يشرع انهاء الأحكام بطلت الحجج مع تطاول المدد).
أي: الحكم بالانفاذ موقوف على أمرين: أحدهما: قبوله الحكم. والثاني:
كون الحكم واصلا إليه بطريق مشروع، ولو لم يكن الوصول بالبينة مشروعا لبطلت الحجج. قال في المسالك: لأن الحاكم يموت فيبطل حكمه. قلت: يعني أن الحكم لا يبطل بالموت لأنه ليس كالوكالة مثلا، بل المراد أن الحكم يبقى بلا أثر، إذ لا طريق إلى اثباته مع عدم اعتبار البينة. قال: فإن الشهود تصير طبقة ثانية بعده، فإذا أنفذ حكمه بشهاداتهم طال زمان نفوذ الحجة والانتفاع، وهلم جرا بالنسبة إلى الحاكم الثاني والثالث، فيستمر الانتفاع بالحجة. أقول: يحتمل أن يكون مراده أن الشهادة على الانفاذ يستمر أثرها، ويحتمل أن يكون المراد هو الشهادة على الشهادة فيكون في المرة الثالثة بلا أثر. والظاهر هو الأول.
هذا، ولا نص في مورد هذا الوجه الثاني، بل هو مقتضى عمومات أدلة القضاء ونفوذ حكم الحاكم.
والوجه الثالث: ما ذكره بقوله: (ولأن المنع من ذلك يؤدي إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة، بأن يرافعه المحكوم عليه إلى آخر، فإن لم ينفذ الثاني ما حكم به الأول اتصلت المنازعة).
أقول: إن الغرض من جعل الحاكم هو الفصل بين الخصومات، فلو لم ينفذ حكم الحاكم الأول من قبل الثاني لزم تفويت الغرض، ولكن تمامية هذا الوجه