أحدهما: أن الفحوى إنما تكون فيما إذا لم يكن تعد ولا تفريط، وإلا فالضمان ثابت في الأصل، مع أن المقبوض بالهبة الفاسدة كالمقبوض بصحيحها لا ضمان فيه مطلقا.
ثانيهما: أن عدم الضمان في مورد الاستيمان لمكان الملائمة بينهما بالوجدان، وليس كذلك في الهبة الفاسدة، إذ ليس التمليك الغير المؤثر بالإضافة إلى عدم الضمان كذلك، فلا مساواة فضلا عن الفحوى.
قلت: قد عرفت (1) معنى الاستيمان هنا وهو التسليط عن رضا، فإن اليد حينئذ مأذونة وهي لا تكون مضمنة، ومن الواضح أن الهبة فيها التسليط على المال عن رضا بزيادة التمليك وقطع إضافته عن نفسه، فليست الفحوى بملاحظة التأمين المالكي المراد منه الاستنابة في الحفظ حتى تختص الملائمة به لعدم الضمان، أو يدعى أن الاستيمان لا يؤثر إلا في صورة التلف لا في الاتلاف أيضا، وقد عرفت مرارا أن الملازمة المدعاة بين الصحيح والفاسد أصلا وعكسا إنما هي في صورة التلف، وأما الاتلاف فله حكم آخر.
فنقول: إن العارية والمضاربة والوكالة وأشباهها حيث إنها تسليطات عن رضا للانتفاع بالمال أو الاتجار به أو أعمال عمل فيه فلا إذن في التصرف المتلف، فالاتلاف له حكمه، بخلاف الهبة فإن الواهب يقطع إضافة المال عن نفسه عن رضا، فهو راض بالتصرفات مطلقا بنحو أوفى من دون تقيد رضاه بالتصرف على وجه مخصوص، وليس دفعه الموهوب بعد الهبة عن اللابدية لئلا يكشف عن رضاه، فيكشف دفعه عن رضاه، وحيث إنه باعتقاد صحة الهبة فهو راض بجميع تصرفاته فيدفعه ليتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، ليس كدفع المبيع حيث إنه دفع بعوض، فمع عدم سلامة العوض له شرعا لا رضا له بالتصرف.