منها قوله: (إعطني بها بقلا أو ماء فأعطاه، فإن الاعطاء بعنوان العمل بالاستدعاء لا بعنوان الايجاب (1)، ومنها قوله: (فإنه لا يكون بيعا (2) فإن ظاهره نفي البيعية حقيقة، وحمله على نفي اللزوم خلاف الظاهر، خصوصا مع أن اللزوم ليس كالصحة للصلاة بحيث تكون من الأوصاف التي بفقدها يكون الموصوف بحكم العدم، ومنها قوله: (وقال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا وإن لم يحصل الايجاب والقبول (3)، فإن الايجاب والقبول لا ينحصران في اللفظ، فهو صريح في أن البيع ينعقد وإن لم يكن انشاء إلى غير ذلك من الوجوه الضعيفة التي استشهد بها في المقام وأنت خبير بما في الكل.
أما توهم أن إعطاء (4) المجرد كالاعطاء بعد الصيغة فهو مسلم بحسب نفس الفعل الخارجي، إلا أن الفعل الخارجي لا يصدر من عاقل غير غافل إلا بعنوان من العناوين (5)، فقد يقصد جعل العين عنده وديعة وأمانة، وقد يقصد به جعلها عارية، وقد يقصد به تمكين الغير من التصرف فيها عن رضاه فيكون إباحة، وقد يقصد به اخراجها عن ملكه وقطع إضافته عن نفسه وادخالها في ملك المعطى فيكون تمليكا، ولا نعني بالانشاء والتسبب إلا ذلك.
وأما توهمه: أن الاعطاء بعد الاستدعاء عمل باستدعائه.
فمدفوع: بأنه لا منافاة بين العمل بالاستدعاء والايجاب، وليس الاعطاء الحقيقي إلا مع صرف نظر المعطي عما يعطى، وأما نفي البيعية في كلامهم فهو صحيح على المشهور القائلين بعدم إفادة المعطاة للملك من أول الأمر، وذلك لا ينافي أن التعاطي