فتجب، ولا يتوقف على هذا الوجه حفظ النظام ولا إيجاد تلك الصناعات والحرف على أخذ العوض ولا على الترخيص فيه، لعدم مقدمية شئ منهما لفظ النظام ولا لتلك الصناعات، لكن حيث إن الناس لا يقدمون على إعمال تلك الصناعات والحرف إلا لأجل الطمع في الأجرة أو زيادتها فمع المنع من أخذ الأجرة لا يقدمون على إطاعة التكليف بايجاد تلك الصنايع والحرف أو يختارون الأعمال السهلة دون الشاقة فلا ينحفظ النظام بواسطة العصيان. وقاعدة اللطف تقتضي الترخيص في أخذ الأجرة تقريبا لهم إلى إطاعة التكاليف النظامية. ومما ذكرنا تعرف مقابلة هذا التقريب لغيره ومقابلة هذا الجواب لغيره من الأجوبة.
وفيه (أولا) ما عرفت من أن مرجعه إلى اقتضاء اللطف التكليف بين الملزوم ولازمه وهو محال.
و (ثانيا) أن جعل الثواب على موافقة التكليف وجعل العقاب على مخالفته بقاعدة اللطف كما حقق في محله يجدي في التقريب إلى الطاعة هنا وفي غيره، ولا حاجة إلى أمر آخر يوجب إطاعة التكليف تكوينا، وإلا لجرى مثله في سائر موارد إطاعة التكاليف.
و (ثالثا) أن الأعمال الشاقة كالسهلة مما يتوقف عليه النظام إما عينا أو كفاية، وليست من الواجبات التخييرية حتى يختار السهلة منها. فتدبر جيدا.
(خامسها) ما نسب إلى كاشف الغطاء (قدس سره) من أن وجوب تلك الصنايع ليس مطلقا بل مشروط بالعوض، فلا محالة يستحيل أن يكون شرط الوجوب مانعا عنه ومنافيا له والجواب أن المراد ببذل العوض إن كان البذل خارجا فالوجوب وإن كان بعد البذل والاقدام خارجا إلا أن البذل العقدي بعقد الإجارة بعد الوجوب، فتعود المحاذير، ومن البين أن البذل خارجا لا يغني عن الإجارة، إذ لا استحقاق للأجرة إلا بها، وإن كان المراد بذل العوض عقدا فمرجعه إلى ايجاب العمل مقارنا لعقد الإجارة.