وظهر أن في الفعل الخارجي الصادر من المتبرع بعنوان كونه عن الغير يصدق عنوانان طوليان (أحدهما) كونه نيابة عن الغير، وصدق هذا العنوان عليه يتوقف على قصد كونه عن الغير لأنه من العناوين القصدية التي يتوقف تحققها على القصد، فما لم يقصد به كونه عن الغير لا يقع عنه سواء قصد الأمر المتعلق بالغير أم لا (وثانيهما) كونه عبادة واجبة على الغير وصدق هذا العنوان متوقف على قصد امتثال الأمر المتوجه إلى الغير، ولكن صدقه بذاك القصد متوقف على قصد كونه عن الغير، إذ لو قصد اتيان عبادة الغير لكن لا بقصد كونها عن الغير لم يقع عن الغير.
(ويترتب) على صدق هذا العنوان الثاني (عنوان ثالث) واقع في طول العنوان الثاني وهو كون اتيان هذا الفعل الخارجي امتثالا للأمر المتوجه إلى الغير، ثم بعد تحقق عنوان النيابة عن الغير يتحقق موضوع اتيان عبادة الغير فيكون قصد امتثال أمر الغير في الرتبة المتأخرة عن قصد النيابة عن الغير أعني قصد اتيان العمل لتفريغ ذمة الغير وكونه عن الغير.
وهذا الأمر المتأخر بالرتبة (أعني قصد امتثال الأمر المتوجه إلى الغير هو ملاك عبادية عمل المتبرع (وأما كون العمل عن الغير) المحقق لعنوان النيابة المتقدم على قصد امتثال أمر الغير فهو أجنبي عن ملاك عبادية العمل الذي يأتي عن الغير فإن العمل يكون مقربا للمتبرع عنه لا للمتبرع والنيابة عمل للمتبرع بما هو هو، فلو كان قصدها ملاكا لعبادية عمله لكان ذلك منشئا لتقرب المتبرع لا لتقرب المتبرع عنه فالمتبرع في قصده النيابة أعني اتيانه العمل عن الغير) يمكن أن يقصد القربة ويمكن أن لا يقصد، فإن قصد القربة كان عمله هذا مقربا له أيضا أي تبرع باتيان عبادة الغير قربة إلى الله (فيحصل) حينئذ تقرب للمتبرع عنه لاتيان عبادته يفعل المتبرع، وتقرب للمتبرع لقصده التقرب في تبرعه وإذا لم يقصد في تبرعه التقرب بل قصد اتيان العبادة عن