العبد الصالح قال له: {كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي كيف تصبر على ما لا تعرف حقيقته وكنهه، ولا يعني ذلك أن ظاهره مخالف للشريعة وذلك كسلوك طريق طويل مثلا مع وجود طريق أقصر منه، فهذا أمر غريب لكنه ليس منكرا مخالفا لأحكام الشريعة ظاهرا.
5 - إن الآيات التي جعلها بعض العلماء دليلا على جواز مخالفة الأنبياء للأولى كانت دائما تختتم بالاستغفار، بل أنهم كانوا يجعلون من هذا الاستغفار دليلا على هذا الادعاء.
فإذا كان الأمر كذلك، فليكن عدم صدور الاستغفار من موسى (ع) دليلا على عدم اتيانه بأي مخالفة للأولى.
وعليه، فإن هذه الآيات لم تكن تشير إلى صدور أي ذنب منه (ع) ولو بمستوى مخالفة الأولى، فكيف يمكن اتهامه (ع) بأنه نكث بعهده، أو أنه لا ينضبط أمام الكلمة المسؤولة، أو أنه ليس أهلا لمرافقة العبد الصالح، كما تحدث عن ذلك صاحب " من وحي القرآن ".
ومع هذه الإستظهارات التي ذكرناها: ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة وهو:
ما الفكرة التي تريد هذه الآيات أن تعلمنا إياها؟!.
يبدو أن الإجابات على هذا السؤال تتمحور حول ثلاث إجابات:
أ - إن هذه الآيات تريد أن تعلمنا أنه ينبغي على الإنسان أن يفكر بأن من الممكن أن يكون للأمر وجه آخر!!.
ولكن هذه الإجابة سطحية، ولا يوحي بها إلا الفكر " الساذج "، لأن أدنى الناس اطلاعا يدرك أن ليس كل فعل فيه مخالفة ظاهرية تكون فيه بالضرورة مخالفة واقعية.
كما أن أدنى الناس يدرك بأن الذي يملك الحكمة، والكفاءة في الحكم فضلا عن أن يكون الله قد آتاه من لدنه علما، إذا أتى فعلا فيه مخالفة ظاهرية، فلا بد أن يكون وراء هذا الفعل ما يبرره ويصححه.