والحق أن قلة اطلاعهم على معارفه، وضعف استيناسهم بمقاصده، لا ينازع فيهما إلا من هو أقل علما وأضعف أنسا.
ولا أدل على ذلك ولا أوضح من اتباعهم للشاذ والغريب من الأقوال. إذ لا يطلب الشاذ إلا من يريد الزيغ عن الحق، ولا يطلب الغريب إلا من يريد المخالفة والظهور.
تحقير العظيم وتعظيم الحقير من هنا نجد أن ما كان يجب أن يعظم من معان أصيلة. عمدوا إلى تحقيره، وما كان يجوز أو يجب تحقيره من وسائل مقتبسة، عمدوا إلى تعظيمه، وكأنهم يتنافسون في تثبيط العزائم والهمم، وتمزيق العقول عند مخاطبيهم، وكأنهم لا يعلمون أنهم لا يعظمون بالتنكر للتراث، ولا يظهرون بالقدح في أهله وأتباعه.
أخطار فوق أخطار ثم إن هذه الحملة على العقيدة وأصولها، وعلى المفاهيم الدينية فضلا عن كونها تمثل خطرا على الركائز الإيمانية والأسس العقدية للإنسان المؤمن، فإن لها من ناحية خطرها، بعدا آخرا يتمثل في دفع الكتاب والباحثين، والعلماء والمثقفين للنكوص إلى الخلف للدفاع عن خطوطهم الخلفية، وأصولهم الفكرية، بدلا من التقدم إلى الأمام للتصدي وإبداء الرأي والنظر في المستجدات الفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها، مما يخاطب عقول الناس، ويؤثر في سلوكهم وتجربتهم العملية.
على أن القضية ليست قضية ضعف في " الخطوط الخلفية الفكرية " للأصل الديني، بحيث يمكن لأي عابث أن يخلخل بنيانه أو يضعف أركانه، وإنما القضية هي: أن المتصدين للعبث في مفاهيم الناس الإيمانية، إنما يعبثون فيها باسم الدين، ويقدمون ما يقدمونه لهم على أنه الأصل والمعتمد في المفاهيم والمعتقد، في الوقت الذي لا يعدو أن يكون مجرد آراء غريبة وشاذة لهم، علما أن الناس إنما يطلبون منهم أن يعرفوهم - فقط - بما هو متفق