حاجتك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا. قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه، ووكلت بأمر لا أطيقه " (1).
ولا يخفى ما في كلمة: " ووكلت " من دلالة واضحة على كون الموكل هو الله تعالى، وبذلك يكون المراد من التوكيل هو التكليف.
وبذلك يظهر أن موسى (ع) إن كان لا يطيق العلم بحسب بواطن الأمور وحقائقها فإن ذلك يعود لكون تكليفه الإلهي هو العلم بحسب الظواهر..
كما أن العبد الصالح لا يطيق العمل بحسب الظواهر، لأن تكليفه إنما العمل بحسب الواقع وحقيقة الأمر وباطنه..
وما دام تكليف كل منهما (ع) يختلف عن الآخر، فإن الحديث عن كون الآية تتحدث عن علم الأنبياء والأئمة (ع) أو عن المقارنة بين علمهما أو عن أيهما أعلم يكون ليس في محله، إذ يصعب والحال هذه إجراء المقارنة لأن متعلق هذا العلم والاستفادة العملية مما يترتب عليه يختلف اختلافا جذريا. وهذا شاهد آخر على ما ذهب إليه العلامة المحقق من أن: " لا ربط لهذه (الآية) بعلم الأنبياء والأئمة ".
4 - ولكن ثمة مفارقة لطيفة في هذه الآيات ينبغي الالتفات إليها، وهي: أن العبد الصالح لم يحتمل أن موسى لن يصبر، بل قطع بهذا الأمر، ولذلك لم يقل له: إنك قد لا تستطيع معي صبرا أو: ربما لن تستطيع معي صبرا، وما شابه ذلك من عبارات لا تفيد الجزم بالأمر، وإنما قال: {لن تستطيع معي صبرا} بشكل جازم قاطع. ورغم علمه المسبق والقطعي بأن موسى (ع) لن يصبر ولسوف يعترض، وافق على مرافقته واتباعه له.
ولكن الملاحظ: أن الخضر (ع) إنما وافق عندما رأى أن موسى (ع) قد قيد وعده له بالمشيئة ولم يطلقه..