بين الدهاء والفجور وقد يتساءل متسائل: أننا يمكن أن نتفهم عدم المبادرة لنشر الرسائل في بداية الأمر عندما كانت القضية قضية شكوك مستندة إلى لغة الرسالة، وبعض الملابسات حولها.
ولكن لماذا عدم النشر عند مجيء الخبر اليقين؟
ولا أبوح بسر إن قلت إني كنت قد فاتحت العلامة المحقق بالأمر، وطرحت عليه نفس السؤال، فقلت له: لماذا لا تتم المبادرة لنشر هذه الرسائل ما دام " الكاتب " ينوي نشرها يقينا، فإن المبادر للنشر يملك زمام الأمور.
لكن العلامة المحقق كان له رأي آخر، وقد كانت فكرته مقنعة للغاية، وتدلل عن أخلاق رفيعة قل نظيرها، ويمكن تلخيص موقفه " أعزه الله " بالتالي:
قد علمت أن " الكاتب " شدد وتوسل على بقاء هذه الرسائل طي الكتمان، ولأجل ذلك، فلا يمكن أن نكون السباقين في إظهار ما طلب صاحبه أن نخفيه ونكتمه، مهما كانت معرفتنا كبيرة بخبث النوايا وعلمنا موثق بسوء السريرة..
فإن احتمال عودة المتآمر عن قراره في آخر لحظة، إن أسعفه اللطف الإلهي وتداركته الرحمة الإلهية، يبقى أمرا واردا، إن كان مستحقا لهذا اللطف ولهذه الرحمة. لكن معرفة استحقاقه لهما أمر غير متيسر لنا ولا هو تحت مبلغ علمنا، ولا يقع في متناول أيدينا. فكان خيار العلامة المحقق هو الصبر حتى ينجلي الأمر، ويسفر الصبح لذي عينين.
من هنا، فإن القضية ليست - كما قد يتصورها بعضهم - قضية دهاء عند بعض وسذاجة عند آخرين، بل هي قضية فجور من جهة وتقوى من جهة أخرى.
ولعل العلامة المحقق قد ردد في سره أو استذكر في هذه القضية عندما بلغه الخبر اليقين بحقيقة " المؤامرة " ما قاله أمير المؤمنين (ع): والله ما معاوية بأدهى مني لكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس.