وأما هو فقد استغرق في حب ربه وأخلص وصفى ذلك نفسه، فلم يترك لشيء في قلبه محلا غير حبيبه، فهو في خلوة مع ربه، وحضرة منه، يشاهد فيها جماله، وجلاله، وقد طارت الأسباب الكونية على مالها من ظاهر التأثير من نظره، فهو على خلافها لا يتبجح بالأسباب ولا يركن إلى الأعضاد.
ترى أنها تتوسل عليه بالأسباب بتغليق الأبواب.. أما هو فقد قابلها بقوله: {معاذ الله} فلم يجبها بتهديد، ولم يقل: إني أخاف العزيز، أو لا أخونه، أو إني من بيت النبوة والطهارة، أو إن عفتي أو عصمتي تمنعني من الفحشاء، ولم يقل إني أرجو ثواب الله، أو أخاف عذابه إلى غير ذلك، ولو كان قلبه متعلقا بشيء من الأسباب الظاهرة لذكره، وبدأ به، عند مفاجأة الشدة، ونزول الاضطرار..
بل استمسك بعروة التوحيد، وأجاب بالعياذ بالله فحسب، ولم يكن في قلبه أحد سوى ربه، ولا تعدى بصره إياه إلى غيره، فهذا هو التوحيد الخالص الذي هدته إليه المحبة الإلهية وأولهه في ربه أو ما يؤدي معناه وإنما قال: {معاذ الله}.. " (1).
ترى من كان هذا حاله، كيف يمكن أن ينجذب إلى الحرام أو أن يتأثر جسده بالجو (الجنسي) كما ذكر صاحب " من وحي القرآن " في المقولة التالية.
ثالثا: جسد يوسف (ع) تأثر بالجو (الجنسي) وهذه المقولة لا يمكن فصلها عن سابقتها، حيث يقول صاحب " الوحي ": " خلاصة الفكرة: أن يوسف (ع) لم يتحرك نحو المعصية ولم يقصدها، ولكنه انجذب إليها غريزيا، بحيث تأثر جسده بالجو، دون أن يتحرك خطوة واحدة نحو الممارسة " (2).