وعليه، فإن ما ذكره هؤلاء الأعلام هو أنه لم يكن يعلم حقيقة الأمر وباطنه على وجه التفصيل، ولم يتحدثوا أبدا عن أنه (ع) لم يفكر بأنه من الممكن أن يكون لهذا الفعل وجه آخر.
وأعود وأكرر، بأن ثمة فارقا بين أن يكون موسى (ع) لا يعلم تأويلها وبين أنه لا يعلم أن لها تأويلا.
والطريف، أن " الكاتب " علق على قول موسى (ع) فيما حكاه الله عنه بقوله تعالى: {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} علق بالقول:
" في رحلة العلم والتعليم كما هو دور التلميذ مع أستاذه الذي يثق بكفاءته وحكمته وإخلاصه " (1).
إذ كيف يثق التلميذ بكفاءة أستاذه وحكمته، وإخلاصه، ثم لا يحتمل أن يكون وراء فعله المخالف ظاهرا لأحكام الشريعة، تأويلا وحقيقة؟!. فأنت قد تعلم أن ضرب وتأنيب فلان، الذي تثق بحكمته، لشخص ما له ما يبرره ولكنك قد لا تعلم هذا المبرر على وجه التفصيل.. وهكذا.
بل كيف يستقيم ذلك مع قول " الكاتب ": " بأن موسى (ع) لن يصبر على ما سيشاهده من أحداث غريبة، لأنه لا يملك العلم بتأويلها ".
فإن كان " الكاتب " يؤيد ما قاله صاحب " من وحي القرآن " بأن موسى (ع) لم يفكر بأن من الممكن أن يكون هناك وجه آخر للمسألة، فقد كان ينبغي عليه أن يقول: بأن موسى (ع) لن يصبر لأنه لا يملك العلم بأن ثمة تأويلا لها، لا أن يقول: لا يملك العلم بتأويلها. لأنه وكما ذكرنا أن عدم امتلاكه للعلم بالتأويل لا يعني أنه لا يعلم بأن ثمة تأويل لها أصلا.