الذي توحي به الآية.. فهذا هو إبراهيم يواجه الكوكب الذي يبدو عاليا عاليا، بعيدا بعيدا.. ولكنه يشرق في قلب الظلام.. فيشعر بالرهبة والروعة.. فيصرخ - في مثل اللهفة - هذا ربي.. انطلاقا مما كان يسمعه بأن الإله بعيد بعيد عن الإنسان، فلما أفل.. أحس بالانقباض وقال: {لا أحب الآفلين..} فقد نجد في كلمة {لا أحب..} بعض كلمات الطفولة البريئة، التي تحب أو لا تحب من خلالها مشاعرها الساذجة إزاء الأشياء.. وتتكرر التجربة مع القمر.. وتنطلق الصرخة الطفولية من جديد.. تماما كمثل الهتاف الذي يهتف به الطفل عندما يجد شيئا قد أضاعه، أو شيئا قد طلبه.. وتتكرر خيبة الأمل من جديد.
ولكن الوعي يتنامى هنا - فلا نجد رد الفعل طفوليا.. بل نلاحظ في ردة الفعل حيرة وذهول وتوسل إلى هذا الرب الغامض الذي يتمثله في وعيه هاديا لعباده، أن يهديه إلى الحق لئلا يكون من القوم الضالين.. وتشرق الشمس في هذا الدفق اللاهب من النور الذهبي في إطار هذا الوجه الواسع الذي يتفايض بالشعاع كما يتفايض الينبوع بالماء الصافي الرقراق.. فتكبر الصرخة في طفولية بارزة.. {هذا ربي.. هذا أكبر..} وينطلق الحجم ليؤكد الفكرة، فيما لا توحي به إلا أفكار الطفل، أو ما يشبه الطفل.. لأن الأشياء الكبيرة توحي للفكر الساذج بالهيبة والعظمة.. بما لا توحي به الأشياء الأقل حجما.. وتتجدد خيبة الأمل بالأفول.. ولكن تلك الإشراقة الساطعة للشمس استطاعت أن تبعث في قلبه إشراقة الإيمان الرافض لكل هذه الأوهام والظنون.
وفي كلا الاحتمالين.. يمكن للعاملين في حقل التوجيه، استيحاء الفكرة العملية في أسلوب التربية.. من خلال الأسلوب الاستعراضي، فيما يتمثل فيه من مناجاة ذاتية تجعل الإنسان يواجه الأفكار المطروحة في الساحة، مواجهة المؤمن بها.. ثم يقوم بمناقشتها بالطريقة التي توحي باكتشاف مواطن الضعف والخلل فيها، بالمستوى الذي يجعلها بعيدة عن الحقيقة، وعن إمكان اعتبارها عقيدة ترتبط بها قضية المصير.. ولا يختص الأمر بالأفكار المتصلة بالعقيدة الإلهية بل يمتد إلى جميع المجالات التي تمثل الخط العملي للحياة.. ويمكن لنا ممارسة هذا الأسلوب في القصة والمسرح والسينما وغيرها من الأساليب التي تخاطب الجمهور لتوجيه قناعاته.. وقد لا نحتاج إلى التأكيد على ضرورة دراسة