وماذا بعد ذلك؟.
هل هي الرحلة الأولى في طريق الإيمان، لدى إبراهيم.. أو هي محاكاة استعراضية للأجواء المحيطة به، فيما يعتقده الناس من ألوهية الكواكب والقمر والشمس.. في محاولة إيحائية لمن حوله بسخافة هذه العقائد وتفاهتها وضعفها أمام المنطق الوجداني الصافي، وذلك من موقع ابتعاده عنها بعد اقترابه منها، مما يعطي لموقفه بعض القوة في الإيحاء، باعتباره الموقف الذي عاش التجربة وعاناها.. ثم تمرد عليها..
ربما كان هذا هو الرأي الأقرب الذي يلتقي مع شخصية إبراهيم فيما حدثنا القرآن عن حياته.. فنحن لم نلمح - في غير هذه الآية - حالة تأثر بالجو المحيط به.. بل ربما نرى الأمر - بالعكس من ذلك - حالة تمرد على البيئة حتى فيما يتعلق بالجو العائلي المتمثل في أبيه الذي نقل لنا القرآن موقف إبراهيم منه.. وقد نستطيع استيحاء الآية السابقة التي حدثنا القرآن فيها عن كلام إبراهيم حول الأصنام التي يعبدها أن هذا الموقف سابق لموقفه من هذه العقائد.. هذا بالإضافة إلى أن الرؤية التي حدثنا الله عنها لملكوت السماوات والأرض.. لا بد أن تكون الرؤية الوجدانية الواعية التي تحاول أن تثير التفكير من خلالها وليست الرؤية البصرية الساذجة.. لأنها تبدأ مع الإنسان منذ اللحظة التي يفتح فيها عينيه على الحياة ليتطلع إلى ما فيه من موجودات يدركها البصر.. وربما كانت كلمة {وليكون من الموقنين} إشارة إلى ذلك، لتلتقي بكلمة {.. رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي..} مما يوحي بأن إبراهيم كان يعيش حالة الفكر الذي يريد أن ينمي من خلاله معلوماته وأفكاره، بكل الأشياء التي تركز قوتها وفاعليتها وثباتها وحركتها أمام التحديات التي تواجهها.. حتى فيما يشبه الأوهام.. ليواجه الصراع الذي يعيشه بانفتاح وقناعة وقوة لا تعرف الضعف ولا التراجع في كل المجالات..
أما الاحتمال الأول، فقد يقربه، أن تكون الحادثة قد حدثت في بداية طفولته، عندما بدأ يتطلع للأشياء، ويفكر في الإله.. في عملية تأمل وتدبر.. في مستوى ذهنية الطفل.. ولعل هذا هو الذي نستوحيه من الجو النفسي الساذج