وربما ردد هذه الكلمة {هذا ربي..} في سره كثيرا.. ليوحي لنفسه بالحقيقة التي اكتشفها ليؤكدها في ذاتها.. بعيدا عن كل حالات الشك والريب.. وبدأ الليل يقترب من نهايته.. وبدأت الكواكب تشحب وتفقد لمعانها.. ثم بدأت تبهت.. وتبهت حتى غابت عن العيون.. وحاول أن يلاحقها هنا وهناك.. لقد ضاع الإله في الأجواء الأولى للصباح.. وانكشفت له الحقيقة الصارخة.. فقد كان يعيش في وهم كبير.. فقد أفل الكوكب.. ولكن الإله لا يأفل لأنه القوة التي تمثل الحضور الدائم في الحياة كلها فلا يمكن أن تبتعد عن حركتها المتنوعة لأن ذلك يتنافى مع الرعاية المطلقة للكون ولما فيه من موجودات حية وغير حية.. واهتزت قناعاته من جديد.. وبدأ يسخر بالفكرة والعقيدة في عالمه الشعوري الصافي.. {فلما أفل قال لا أحب الآفلين..}.
{فلما رأى القمر بازغا..} في صفاء الليل، ووداعة السكون.. وكان الشعاع الفضي الساحر يلقي على الكون دفقا من النوى الهادئ الذي يتسلل إلى العيون فيوحي إليها بالخدر اللذيذ ويخترق القلوب فيوحي إليها بالأحلام اللذيذة الساحرة.. ويطل على الطبيعة فيغلفها بغلافه الشفاف الوادع الذي يثير في آفاقها الكثير الكثير من اللذة والأحلام.. وبدأت المقارنة بين ذلك النور الكوكبي الذي يأتي إلينا متعبا واهنا في جهد كبير وبين هذا النور القمري الذي يتدفق كشلال في قلب الأفق.. فأين هذا من ذاك.. فهذا هو السر الإلهي الذي كان يبحث عنه.. {قال هذا ربي..} وعاش معه في حالة روحية من التصوف والعبادة لهذا الرب النوراني الذي يتمثل في السماء قطعة فضية من النور الهادئ الساحر.. وفجأة بدأ الشعاع يبهت.. ثم يغيب.. وانطلقت الحيرة في وعيه من جديد.. أين ذهب الإله وأين غاب.. وهل يمكن للإله أن يغيب ويأفل.. وضجت علامات الاستفهام في روحه تتساءل من هو الإله؟ وأين هو.. وعاش في التصور الضبابي المبهم الغارق في الغامض.. يتوسل بالرب الذي لا يعرف كنهه، أن يهديه سواء السبيل لئلا يضل ويضيع.. {فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين..} وما زال ينتظر وضوح الحقيقة.. وفجأة أشرقت الشمس بأشعتها الذهبية الدافئة فأخذت عليه وجدانه.. {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي.. هذا أكبر..} فأين حجم الشمس.. من حجم