عليه صاحب المصباح، ثم أهراق بإثبات الألفين، ثم أهرق على أفعل، ثم هرق كمنع.
قلت: ولعل وجه أفصحية أهراق بالألفين على أهرق كأكرم أن في الثاني مخالفة القياس والشذوذ، وهو الجمع بين البدل والمبدل، كما تقدم. ثم قال شيخنا: وقد أخطأ المصنف في ذكره هنا؛ لأن موضعه روق عند قوم أو ريق عند آخرين، فالصواب أن يذكر في فصل الراء، وأما الهاء فإنما هي بدل عن ألف التعدية التي لحقت راق، فقالوا: أراق، ثم أبدلوا، فقالوا هراق، كما في المصباح وغيره، وأما غيرها من اللغات التي الهاء فيها بدل عن ألف التعدية فلا وجه لذكره هنا بوجه من الوجوه، وقد وقع الغلط فيه لأقوام من أئمة اللغة، منهم ثعلب في الفصيح فإنه ذكره في باب فعل الثلاثي بغير ألف، وإن تكلف بعض شراحه الجواب عنه بأنه صار في صورة الثلاثي، أو غير ذلك مما لا ينهض، ووقع الغلط فيه للقزاز في الجامع، واعتذر هو عن ذلك بكلام تركه أولى من ذكره، وعلله بأن الهاء فيه لازمة للبدل فكانت كالأصل، والمصنف تبع الجوهري في ذكره في فصل الهاء، ويمكن أن يجاب عنه بأنه قصد إلى ذكر هرق الثلاثي، وأما غيرها من اللغات فذكرها استطرادا اه.
قلت: لم ينفرد الجوهري بإيراد ذلك في فصل الهاء بل أورده جماعة أيضا في فصل الهاء منهم: ابن القطاع في أفعاله، والصاغاني في العباب والتكملة، وصاحب اللسان، وكفى للمصنف بهؤلاء قدوة، وقوله في الجواب عن المصنف بأنه قصد إلى ذكر هرق الثلاثي إلخ، هذا إنما يستقيم إذا كان ذكر هذه اللغة أولا، ثم استطرد بقية اللغات، وهو لم يذكر هرق أصلا، بل ولم يذكر في التركيب من مادة الثلاثي غير الهرق، بالكسر: للثوب الخلق: والذي تطمئن إليه النفس في الاعتذار عن ذكر هؤلاء هذا الحرف في هذا التركيب كثرة استعماله على هذا الوجه، وشيوع دورانه كذلك، حتى تنوسي في الهاء معنى الزيادة، وصارت كأنها أصل من أصول الكلمة، وهذا الجواب قريب من جواب القزاز، بل فيه تفصيل لكلامه، فتأمل، وقد سبق لنا قريب من هذا الكلام في ه ن ر وغيره في مواضع من هذا الكتاب. ثم قال شيخنا: تنبيهان:
الأول: الهاء في هراق بدل من الألف بإجماع، كما مر، وفي أهرق يجب أن تكون أصلية، لأنهم نظروه بأكرم، وقالوا: على أكرم، وفي هرق - عند من أثبته أصلية - هي فاء الكلمة، كما لا يخفي، لأنه لا يحتمل غيره، وقد حكاها أبو عبيد في الغريب المصنف، واللحياني في نوادره، فقال إنها بعض اللغات، وهي لبني تغلب.
قلت: وقد ذكرها ابن القطاع في أفعاله، والفيومي في مصباحه، كما مر.
الثاني: لا يختص هذا الإبدال بأراق كما توهمه جماعة، بل قال شراح الفصيح، وأكثر شراح الكتاب، وغيرهم: إنه جاء في الأفعال كلها معتلها وغير معتلها، وقالوا: العرب تبدل من الهمزة هاء، ومن الهاء همزة للقرب الذي بينهما، من حيث إنهما من أقصى الحلق، فجاز أن يبدل كل منهما من صاحبه، وذكروا وجوها من الإبدال خارجة عن بحثنا، والذي عندي أن هذا الإبدال إنما يصح في المعتل من الأفعال خاصة، كأراق؛ لأنهم إنما مثلوا بأشباهه، قالوا: إنه سمع من العرب قولهم في أراح ماشيته هراح، وفي أراد: هراد، وفي أقام: هقام، ولم يذكروه في شيء من الصحيح أصلا، لم يقولوا في أعلم مثلا هعلم، ولا في أكرم هكرم، فالظاهر اختصاصه به، وأن كلامهم عام فلا يعتد به.
قلت: وقد ذكر الأزهري: هنرت النار، وأنرتها، وسبق للمصنف أنرت الثوب، وهنرته، ونقل أبو زيد قولهم: أنهأت اللحم، قال: والأصل أنأته بوزن أنعته، فينظر هذا مع كلام شيخنا، هذا غاية ما تنتهي إليه عناية المتأمل في بحث هذا المقام، وتحقيقه على أكمل المرام، والله حكيم علام.
والمهرق، كمكرم: الصحيفة عن الأصمعي، وزاد الليث: البيضاء يكتب فيها، قال الأصمعي: هو فارسي معرب قال الصاغاني: تعريب مهره، وقال غيره: المهرق: ثوب حرير أبيض يسقى الصمغ، ويصقل، ثم يكتب فيه، وفي شرح معلقة الحارث بن حلزة: كانوا يكتبون فيها قبل القراطيس بالعراق، وهو بالفارسية مهره كرد (1)، وإنما قيل له ذلك لأن الذي يصقل بها يقال لها بالفارسية: مهره، وفي شرح الحماسة: تكلموا بها قديما، وقد يخص بكتاب العهد، قال حسان رضي الله عنه: