وقال جرير العجلي، للأخطل وهي في شعره:
إذا ما قلت قد صالحت قومي * أبي الأضغان والنسب البعيد (1) ومهراق الدماء بواردات * تبيد المخزيات ولا تبيد قال: والفاعل من أهراق مهريق، وشاهده قول كثير:
فأصبحت كالمهريق فضلة مائه * لضاحي سراب بالملا يترقرق (2) وقال العديل بن الفرخ (3):
فكنت كمهريق الذي في سقائه * لرقراق آل فوق رابية جلد وقال آخر:
فظللت كالمهريق فضل سقائه * في جو هاجرة للمع سراب (4) وشاهد الإهراقة في المصدر قول ذي الرمة:
فلما دنت إهراقة الماء أنصتت * لأعزله عنها وفي النفس أن أثني وأصله أي أصل هراق السماء، كما هو نص الصحاح أراقه يريقه إراقة قال: وأصل أراق أريق، قال ابن بري: أصل أراق أروق بالواو؛ لأنه يقال: راق الماء روقانا: انصب، وأراقه غيره: صبه، قال: وحكى الكسائي: راق الماء يريق: انصب، قال: فعلى هذا يجوز أن يكون أصل أراق الياء.
قلت: ولكن ابن سيده قوى قولهم إن أصل أراق أروق، قال: وإنما قضى على أن أصله أروق لأمرين: أحدهما: أن كون عين الفعل واوا أكثر من كونها ياء فيما اعتلت عينه. والآخر: أن الماء إذا هريق ظهر جوهره وصفا، فراق رائيه يروقه، فهذا يقوي كون العين منه واوا، انتهى.
وقد مر في روق عن ابن بري: أرقت الماء منقول من راق الماء يريق ريقا: إذا تردد على وجه الأرض، فعلى هذا حق أراق أن يذكر في ريق لا روق، فقوله هذا يقوي قول الكسائي، ومثل ذلك نص المصباح: راق الماء ريقا من باب باع: انصب، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أراقه صاحبه، وهو مريق ومراق، وتبدل الهمزة هاء، فيقال: هراقه، ثم قال: وأصل يريق يريق على وزن يكرم وأصل يريق يأريق على وزن يدحرج، ثم قال: وإنما قالوا أهريقه بضم الهمزة وفتح الهاء ولم يقولوا أأريقه لاستثقال الهمزتين، وقد زال ذلك بعد الإبدال، انتهى.
قلت: وقال بعض النحويين: إنما هو هراق يهريق؛ لأن الأصل من أراق يريق يأريق، لأن أفعل يفعل في الأصل كان يؤفعل، فقلبوا الهمزة التي في يؤريق هاء، فقيل: يهريق، فلذا تحركت الهاء، نقله ابن سيده. وفي المصباح (5): وقد يجمع بين الهاء والهمزة، فيقال: أهراقه يهريقه، ساكن الهاء تشبيها له بأسطاع يسطيع كأن الهمزة زيدت عوضا عن حركة الياء في الأصل، ولهذا لا يصير الفعل بهذه الزيادة خماسيا.
وفي التهذيب، من قال: أهرقت فهو خطأ في القياس، انتهى.
قلت: نص الأزهري في التهذيب: هراقت السماء ماءها تهريق، والماء مهراق، الهاء في ذلك كله متحركة؛ صلى الله عليه وسلم لأنها ليست بأصلية، إنما هي بدل من همزة أراق، قال: وهرقت مثل أرقت، ومن قال: أهرقت فهو خطأ في القياس، قال: ومثل قولهم: هرقت والأصل أرقت قولهم: هرحت الدابة وأرحتها، وهنرت النار وأنرتها، قال: وأما لغة من قال: أهرقت الماء فهي بعيدة.
قال أبو زيد: الهاء منها (6) زائدة، كما قالوا: أنهأت اللحم والأصل أنأته، بوزن أنعته. قال شيخنا: وإنما أوجبوا فتح الهاء لا حذفها لأمرين: أحدهما: أن موجب الحذف الذي هو اجتماع همزتين قد زال وذهب بإبدالها هاء، وهذا هو الذي أشار إليه الجوهري بقوله، وتبعه المصنف، وإنما قالوا: أهريقه إلخ. الثاني: أنه لما كثر استعمال هذا الفعل على هذا الوجه وشاع دورانه كذلك تنوسي في الهاء معنى الزيادة وصارت كأنها أصل من أصول الكلمة، ولذلك