نظرها في المصباح بدحرج المتفق على أصلية حروفه، ولهذا تزاد الألف على هراق، فيقال: أهراق في لغة، كما مر. ثم قال: فإن قلت: تقدم أن الهاء بدل من الألف وإذا كان كذلك، فما وجه الجمع بينها وبين الهاء، والقاعدة أنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه. قلت: هذا هو الذي أشار إليه في التهذيب، وقال: إنه خطأ في القياس، حيث قال: من قال: أهرقت فهو خطأ في القياس، ووجه تخطئته هو ما يلزم من الجمع بين العوض والمعوض منه، وجوابه هو ما أشار إليه الجوهري بقوله: قال سيبويه: وقد أبدلوا من الهمزة الهاء، ثم ألزمت، فصارت كأنها من نفس الكلمة، ثم أدخلت الألف بعد الهاء وتركت الهاء عوضا من حذفهم حركة العين، فكمل الغرض وانتفي ما قيل من الجمع بين العوض والمعوض منه، ولذلك قال في المصباح: إن الكلمة لا تصير بزيادة الهاء خماسية ونظروا هذا الفعل بأسطاع يسطيع، بقطع الهمزة في الماضي وضم الياء في المستقبل، مع أنه في الظاهر خماسي مبتدأ بهمزة قطع، كما أنه لا يضم حرف المضارعة إلا من الرباعي، وجوابه: أن الفعل رباعي، وأن السين زائدة عوضا من ذهاب حركة العين، وهو مذهب الأخفش ومتابعيه، فلا يكون الفعل بها خماسيا، كما في المصباح وغيره، ومثله أهراق عند الجوهري، ولا ثالث لها.
قلت: وتقدم في ط وع لسيبويه ويونس مثل قول الأخفش، ثم قال: ولا اعتداد بما ذهب إليه السهيلي - في الروض - من أنهم قد يجمعون أحيانا بين العوض والمعوض عنه، ومثله أهراقه؛ لأنه لا يدعى إلا إذا وجب لزومه، وقد أمكن عدمه، فتبقى القاعدة على أصلها. وزنة يهريق، بفتح الهاء: يهفعل كيدحرج. وزنة مهراق، بالتحريك: مهفعل كمدحرج، نقله الجوهري والصاغاني، قالا: وأما يهريق ومهراق بتسكين هائهما، فلا يمكن أن ينطق بهما (1)؛ لأن الهاء والفاء جميعا ساكنان. قال شيخنا: وقد علم مما تقدم أن كلام الجوهري فيه تخليط، وتقديم وتأخير فإن ظاهره - أو صريحه - يقتضي أن كلام سيبويه رحمه الله تعالى في أهرق بإثبات ألف التعدية وحذف الألف التي هي عين الكلمة الجائي على أفعل يفعل؛ لأنه أتى بنص سيبويه عقب قوله على أفعل يفعل، وليس كذلك، بل كلام سيبويه في أهراق بإثبات الألفين، ألف التعدية وعين الكلمة، ومن تتمة الكلام عليه تنظيره بأسطاع يسطيع في إنابة حرف عن حركة وانتفاء كون الكلمة خماسية وإن كانت في الظاهر كذلك، وقد فصل هو بينهما حتى قال فيه لغة ثالثة، فكان عليه أن يؤخر قوله قال سيبويه إلى قوله: وفيه لغة ثالثة أهراق، ثم يقول: قال سيبويه إلخ، ثم يقول: هذا شاذ، ونظيره إلخ، وحينئذ يحسن كلامه، ويستقيم نظامه.
قلت: وقد قدمنا عن ابن بري تحقيق ذلك وتفصيله، وقد نبه على ذلك أبو سهل الهروي وأبو زكريا التبريزي، وابن منظور، والصلاح وغيرهم. ثم قال شيخنا: والعجب من المجد كيف سها عن هذا التخليط واحتاج إلى التغليط، وكان ادعاؤه غير تام وقاموسه غير محيط، مع شدة تبجحه بإيراد الغلطات، وكثرة إظهاره الصواب على منصات السقطات، والله الموفق. ثم قال: وقد علم مما مر أن هذا الفعل فيه لغات:
الأولى: هذه التي صدروا بها، وهي هراق هراقة، كأراق إراقة.
الثانية: أهرق إهراقا، كأكرم إكراما، وكأن الهاء في هذه أصلية.
الثالثة: أهراق بألف قطعية وهاء ساكنة يهريق، بياء بعد الراء عوضا عن الألف الثانية في الماضي.
قلت: وهذه الثلاثة قد ذكرهن الجوهري والصاغاني.
الرابعة: هرق، كمنع بناء على أصالة الهاء.
قلت: وقد نقلها الفيومي في المصباح (2).
والخامسة: هي الأصل التي هي أراق إراقة. وقد قالوا: إن أفصح هذه اللغات هراق.
قلت: نقلها اللحياني، وقال هي لغة يمانية، ثم فشت في مصر، ثم أراق التي هي الأصل.
قلت: وتقدم الاختلاف في كون أراق واويا، كما ذهب إليه ابن سيده، أو يائيا، كما نقل عن الكسائي، واقتصر